مهما كانت مكاسب الدعارة والمخدرات وغسيل الأموال وتسقيع الأراضي والتلاعب في
البورصة هائلة.. فإنها ستكون صفرا علي الشمال إذا ما قورنت بمكاسب تجارة السلاح.
ولو كانت ثروة مبارك وعائلته تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، فإن الجزء الأكبر
منها سيكون بالقطع ملوثا بهذه التجارة الخفية.. فلا يمكن أن تكون ثروة بكل هذا
الحجم ما لم تفح منها رائحة البارود. لكن.. وكلاء شركات السلاح في مصر يصعب التعرف
عليهم.. فهم لا يفصحون عن نشاطهم.. ويفضلون الظهور بأنشطة أخري يتسترون وراءها..
مقاولات.. اتصالات.. أنظمة معلومات.. توكيلات سيارات.. مثلا.. بل إن بعضهم يقدم
نفسه للمجتمع علي أنه مفكر استراتيجي يدير مراكز للأبحاث السياسية.. وينشر مجلات
اجتماعية.. فنحن أمام حالات مثالية لدكتور جيكل ومستر هايد. وهم في الغالب شخصيات
مهذبة.. متواضعة.. محبة للحياة.. دائمة السفر.. عاشقة للترف.. سيجار.. شمبانيا..
فواجراه .. يخوت.. تزحلق علي الجليد.. وساعات طويلة في كازينوهات القمار أحيانا..
دون أن تنسي زيارة بيوت الله لتجديد المغفرة من وقت لآخر. وهم أيضا شخصيات تتجنب
التورط في المتاعب مهما كانت عابرة.. بل.. وتتبني كثيرا من أعمال الخير.. ولا تتردد
في تمويلها.. فعقدة الذنب مما تفعل ربما تعذبها وتؤرقها.. وربم تسحقها وتدهسها.
لكن.. هناك قلة منهم تحترف القذارة بحكم طبيعته الشخصية.. وتدلل مجتمعات القاهرة
وسهراتها علي ذلك بالجريمة البشعة التي ارتكبها أحد وكلاء السلاح.. في بداية حياته
العملية اغتصب صديقه شقيقته وغدر بها وتنكر لها وكان ذلك في أوائل السبعينيات..
لكن.. شاء القدر أن ينتقم منه بفقد رجولته بعد إصابته في حادث سيارة.. خرج منه حيا
بمعجزة.
2
وهناك فرق بين تاجر سلاح.. ووكيل سلاح.. تاجر السلاح مهنة سرية..
يصعب الكشف عن أصحابها.. وربما كانوا في مناصب سيادية مهمة.. مثل ديك تشيني وزير
الدفاع في إدارة جورج بوش الأب ونائب الرئيس في إدارة جورج بوش الابن.. ومثل عدنان
خاشقجي الذي كان وراء تهريب يهود الفلاشا من إثيوبيا إلي إسرائيل عبر السودان..
وقبض حاكمها في ذلك الوقت جعفر نميري الثمن 10 ملايين دولار.. فدور سمسار السلاح لا
يتوقف عند البيع والشراء. أما وكيل السلاح فمهنة مكشوفة.. مشروعة، فهو ممثل لشركات
كبري مقابل عمولة.. أو مقابل مكافأة علي خدماته في متابعة تنفيذ الصفقات التي تبرم
مع بلاده أو مع بلاد أخري حولها إذا كانت دائرته إقليمية.. كما أن علاقته بالسلطة
قوية ومباشرة.. فهما وجهان لصفقة واحدة. وغالبا ما تكون نهاية تجار السلاح نهاية
مأساوية.. فأشرف مروان ألقي من شرفة بيته في لندن.. وعدنان خاشقجي وضعت في يده
"أسورة" إلكترونية تحدد مكانه.. فرضت عليه الإقامة في دائرة محددة لا يحق له الخروج
منها.. مثل المشبوهين الجنائيين وأصحاب السوابق.. واضطر إلي تصفية ممتلكاته ومنها
يخت (نبيلة) الشهير الذي اشتراه دونالد ترامب ثم الوليد بن طلال.. وكريم رشدي صبحي
ــ ابن أكبر وأقدم وأشهر تاجر سلاح مصري ــ تحطمت طائرته في قمة جبل في الهند..
وانتهي التحقيق إلي وجود شبهات جنائية.. لكنه.. قيد ضد مجهول.. وعلي شفيق مدير مكتب
المشير عبد الحكيم عامر وزوج المطربة مها صبري قتل في شقته بريجنت ستريت.. شارع
الأطباء في لندن.. وسلطان كمال أدهم ــ ابن مدير المخابرات السعودية الأسبق كمال
أدهم والزوج الثاني لشرين رضا طليقة عمرو دياب وأحد المتورطين في فضيحة بنك
الاعتماد والتجارة بما يصل إلي 240 مليون دولار ــ اشتعلت النيران في الطوابق
الثلاثة التي كان يسكنها في عمارة علي نيل الجيزة.. وخرجت من بين النيران 20 خادمة
أسيوية في حالة فزع.. وحازم عيسي أغلقت علي رقبته بوابة حديدية في ضاحية إسبانية
علي أطراف مدريد.
3
حازم عيسي كان وحيد والده الدكتور علي عيسي.. أشهر طبيب
قلب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.. وكان زبائنه من نجوم السياسية.. مثل جمال
عبد الناصر.. ونجوم الفن.. مثل تحية كاريوكا.. وكان يسكن علي النيل.. في العمارة
المجاورة لعمارة ليبون.. ويملك شقة أخري بالإسكندرية تطل علي البحر في ميامي.. ورغم
التقشف الترفي الذي ساد الحقبة الناصرية، فإنه وعائلته كانوا يعيشون عيشة الملوك..
لا ينقصهم منها شيء. كان حازم عيسي متفوقا في دراسته.. الأول علي
مدرسته.."الجزويت".. وقد تمني أن يدرس الاقتصاد والعلوم السياسية.. لكنه.. خضع
لرغبة والده ودرس الطب، ورغم ذلك تخرج في مقدمة دفعته.. علي أنه رفض أن يعين
معيدا.. وراح يبحث عما يحبه. وضعته الصدفة في طريق شاب لبناني ذكي هو عبد الرحمن
الأسير.. كان الزوج الثالث للسيدة سميرة خاشقجي بعد زوجه الأول رجل الأعمال المصري
محمد الفايد الذي أنجبت منه دودي.. صاحب النهاية الدرامية الشهيرة مع الأميرة
ديانا.. وبعد زوجها الثاني الدبلوماسي السعودي أنس ياسين الذي أنجبت منه جمانة..
رئيسة تحرير مجلة "الشرقية".. وفيما بعد طلقت سميرة خاشقجي من عبدالرحمن الأسير بعد
أن أحب وتزوج ابنة سفير إسباني خدم في القاهرة.. ولم تمر سوي سنوات قليلة حتي توفيت
من شدة الألم النفسي. كان عبد الرحمن الأسير يعمل مع شقيقها عدنان خاشقجي في تجارة
السلاح وجذبت هذه المهنة الخطرة بكل ما فيها من إثارة حازم عيسي.. فانضم إليهما
وعمل معهما.. وعاش حياته متنقلا بين عواصم الدنيا علي طائرات خاصة.. يفضل أصحابها
النوم علي متنها حتي لا يكونوا عرضة للقتل السهل في الفنادق.. واختار حازم عيسي
باريس لتكون مدينته المختارة.. المحببة.. وشهد ملهي رجين في الشانزليزيه سهراته
الدائمة التي كان يدعو إليها أصدقاءه القدامي من أيام المدرسة والجامعة.. ولم يكن
يتكلم معهم عن تجارة الموت التي يمارسها.. وإنما كان يكتفي بالمرح والصخب وتدخين
السيجار وتبادل النكات. لقد خرج حازم عيسي من الحياة المحافظة التي تربي فيها إلي
حياة مثيرة.. فهو بحكم اقترابه من عدنان خاشقجي وجد نفسه أمام حكام العالم الذين
يستقبلونه في قصورهم.. من سلطان بروناي إلي رئيس السودان.. ومن ملك إسبانيا إلي
رئيس وزراء ماليزيا.. كما وجد الدنيا السهلة بين يديه.. طائرات خاصة رهن الإشارة..
يخوت عريضة يتبادل علي ظهره الأنخاب مع مشاهير نجوم هوليوود.. وفنادق مريحة تأتي له
بحليب العصفور.. وأسواق مميزة تنتج ماركاتها للأثرياء فقط.. وجنة من النساء يسهل
قطفها. لكنه لم يدرك أن المهنة المرعبة التي اختارها لها قواعد وأصول صارمة.. يقتل
من يخرج عنها أو يتخطاها.. منها أل يجوز إبرام صفقة بعيدا عن الكفيل الذي يعمل
معه.. وهو غالب ما وقع فيه.. فكان لابد من عقابه كي يكون عبرة لغيره. كان في مدريد
عندما تلقي دعوة من شخصية إسبانية ملكية مهمة لتناول العشاء في مزرعته البعيدة في
الضواحي.. وركب سيارته المكشوفة.. واتجه إلي المزرعة.. وفتحت البوابة الحديدية
ليدخل بسيارته.. لكنها.. قبل عبور البوابة أغلقت عليه.. وتهشمت سيارته وعجنت بجسده
ودمه.. ومات في الحال.. وبعد شهور قليلة من وفاته رحل والده ووالدته حزن وحسرة
عليه.. فلم يعد لهما مبرر للحياة.. وأصبح مبني المستشفي الذي حلما بإنشائه مجرد
أطلال تنعي الشاب التي شيدت من أجله.
4
والغريب أن حازم عيسي لم يستوعب ما
شاهده في شريط الفيديو الذي وضع في غرفته قبل أيام من اغتياله.. وكان الشريط يسجل
لقطات لجثة علي شفيق بعد قتله. كان علي شفيق قد ترك القاهرة بعد وفاة جمال عبد
الناصر وعاش في لندن واضعا خبرته العسكرية وعلاقاته العربية في خدمة مافيا السلاح..
لكنه.. علي ما يبدو كسر القاعدة.. ونفذ صفقة ما بعيدة عنهم.. وحصل علي عمولة لا
يستحقها.. فتقرر التخلص منه. في ساعة الصفر جاء جيرانه بفرقة موسيقي صاخبة غطت علي
صوت عملية قتله.. ووجدت حقيبة من المال به خمسة ملايين جنية إسترليني بجوار جثته..
فالرسالة واضحة.."من يخرج علينا نحصد حياته لا ماله".. وفي اليوم التالي اختفي
الجيران.. فص ملح وذاب.. وقيد الحادث ضد مجهول.. كما سيحدث فيما بعد مع رئيس الحرس
الجمهوري الأسبق الليثي ناصف.. وسعاد حسني.. وأشرف مروان.
5
قبل اغتيال أنور
السادات في 6 أكتوبر 1981 كان وزير الدفاع محمد عبد الحليم أبو غزالة يستعد لافتتاح
أول معرض علني لشركات السلاح العالمية في مصر.. أطلق عليه "معرض القاهرة العسكري"..
وأقيمت علي هامشه ندوة شارك فيها عسكريون غربيون عن "الاتجاهات الاستراتيجية"
الجديدة بعد حرب أكتوبر.. لكن.. حادث المنصة فرض تأجيل المعرض إلي 31 أكتوبر..
ليستمر في مكانه بمدرسة المدفعية حتي 3 نوفمبر.. ثم ليتكرر مرة أخري.. وأخيرة. كان
المعرض هو المرة الأولي التي تعترف فيها القاهرة بشرعية توكيلات شركات السلاح علي
أرضها.. وتضمن دليل المعرض أسماء 110 شركات أمريكية (مثل هونيويل وهيوز ومايرمونت
ونورثورب وهاريس وليتون ولوكهيد وكولت)، وفرنسية (مثل ميسيه وهيسبانو وبوجاتي وماتر
وشانتيه نافال دو لستوريل وسنترا الكتيل وسوبليم وجيفاس)، وإيطالية (مثل هايتهيد
وكانتري نافالي وديفيس إي سبازيو ريونيتي)، ويونانية (مثل هيلينيك إيرو سبايس
وهلنيك أرمز)، وبريطانية (مثل دوتي إيروسبايس ديفنيس وراكال تاكتيوم ورايخيم
وسيكيورتي رستش وكولوم ديتورنرز ولايزرجايج)، وبلجيكية (مثل أسيك)، وكندية (مثل
آيفيايشن ايلتريك ودي هافيلاند ايركرافت وسي أي إي ايلكترونيكس)، والمانية (مثل
سيكيوتري تيمان)، ومصرية (مثل الشركة المصرية العربية للسيارات ومصنع صقر للصناعات
المتطورة).. وهو ما يعني وجود وكلاء مصريين بعدد الشركات الأجنبية علي الأقل..
ولابد أن العدد زاد فيما بعد. وعرضت في أجنحة المعرض ومناطقه المفتوحة أحدث م
أنتجته هذه الشركات من مدرعات ومدافع وطائرات وأجهزة اتصالات في بازار يثير الرعب
من التطور المذهل في معدات القتل الشرعي في الحروب. وكانت فلسفة أبو غزالة من وراء
المعرض أن تصنع مصر العديد من القطع العسكرية لتصدرها إلي الدول الإفريقية.. لكنه..
فيما بعد.. تورط في قضية تهريب نوع من الكربون يستخدم في إنتاج صواريخ أمريكية..
وقبض علي الشخص المكلف بهذه المهمة عبد القادر حلمي.. واستخدمت هذه القضية في
الإطاحة بأبو غزالة.. فتوقفت مشروعاته.. وانتهت طموحاته قبل أن تنتهي حياته بسرطان
شرس بد بالفك. لكن.. أبو غزالة لم يتردد في بيع أسلحة مصرية للمقاومة الأفغانية ضد
الاحتلال السوفيتي.. بتمويل سعودي.. وتخطيط أمريكي.. وبموافقة من مبارك.. وهو ما
تكرر مع العراق في حربها ضد إيران.. وهنا دخلت الدولة مباشرة في تجارة السلاح.. فمن
كان الوسطاء ؟.. ومن حصل علي العمولة ؟.. وهل كان للكبار نصيب فيها؟ إن الأرقام
تتحدث عن عشرين مليار دولار.. لا تقل عمولتها عن ملياري دولار.. وهو مبلغ كبير
بحسابات ثمانينيات القرن الماضي.. ولا شك أنه كان خميرة لثروات أخري تزاحمت وتراكمت
فيما بعد. وقبل أن يتولي وزارة الدفاع كان أبو غزالة مسئولا عن المكتب العسكري في
واشنطن وقت أن كان منير ثابت (شقيق زوجة مبارك وتلميذه في سلاح الطيران وقائد أسراب
الهيلكوبتر فيما قبل) مسئولا عن مكتب مشتريات السلاح هناك.. ويعمل حسين سالم تحت
يده.. في وظيفة إدارية.. وهي علاقات ستقوي فيما بعد وتكشف عن أمور في تكوين ثروة
مبارك وعائلته يصعب تصديقها.. وربما تبرر الأرقام الكبيرة التي ذكرت ونشرت. ورغم
منصبه الرفيع في واشنطن.. فإن أبو غزالة لم يتردد في شراء أسلحة الصيد وطلقات
الخرطوش لعائلة السادات وهو ما قربه منه.. واشتهر بالترحيب الزائد وكرم الضيافة ــ
من سهرات ومشتروات ــ لكل المسئولين الذين يزورون العاصمة الأمريكية. وكان صديقه
المقرب هو اللواء السابق صفي الدين سليمان الذي كان من رجال المشير عبدالحكيم عامر
وقد استأذن جمال عبدالناصر في السفر إلي الكويت، لكنه أكمل رحلته إلي الولايات
المتحدة ليدرس هناك علم الكومبيوتر، وكان لا يزال علما ناشئا.. وباتصالاته القوية
بأصحاب النفوذ في القاهرة دعم ترشيح أبو غزالة لوزارة الدفاع. وخلال تلك الفترة كان
مبارك يسافر بتكليف من السادات إلي واشنطن في مهام متتالية.. وكانت هذه الزيارات
فرصة ليتقرب منه أبو غزالة وحسين سالم.. وسهل ذلك ايض وجود منير ثابت.. وبعد حادث
سقوط طائرة المشير أحمد بدوي كانت علاقات أبو غزالة بكل هذه الشخصيات كفيلة بحصوله
علي منصب وزير الدفاع. لكن.. ثقافة أبو غزالة السياسية وشخصيته القيادية أشعرت
مبارك بالقلق منه.. وتضاعف هذا القلق بعد نزول الجيش في أحداث تمرد الأمن المركزي
وترحيب الشعب به.. فكان لابد من التخلص منه.. وقد كان.
6
صدر عن معرض
القاهرة العسكري دليل مطبوع باللغتين العربية والإنجليزية تولت نشره شركة "ديفنيس
أند فورين افيرز ديلي" الأمريكية.. وتصدره خطاب مفتوح من شخص سنعرف فيما بعد أنه
واحد من أكبر وكلاء السلاح في مصر هو كامل عبدالفتاح.. وجه فيه الشكر لمنظمي المعرض
والمشاركين فيه.. واعتبره فرصة"ليست فقط لمجرد الاطلاع علي معدات جديدة ولا حتي
استيراد أحدث ما وصلت إليه تكنولوجي العصر.. بل أنظر إليها كفرصة لتبادل الفكر"..
وأضاف : إن "اللقاء بين أقدم الحضارات في التاريخ وأكثر الدول تقدم في منطقة الشرق
الأوسط وهي مصر وبين أحدث ما وصل إليه التقدم التكنولوجي في الغرب لابد أن يكون
مثمرا لكل الأطراف". كان كامل عبد الفتاح وكيلا لشركة أر سي إيه وهي شركة أمريكية
تقع في نيو جيرسي وهي من كبري الشركات المتخصصة في تطور النظم الإلكترونية وصنعها..
ومنها نظم الدفاع الجوي.. ونظم سيطرة القيادة.. ونظم الاتصالات.. ونظم مراقبة
المرور الجوي.. ونظم التشويش علي الرادارات.. وهي معلومات دونت في صفحة أربعين من
دليل معرض القاهرة العسكري، جميع التوكيلات المصرية لشركات السلاح الأمريكية التي
تتعامل طبقا لقوانين المعونة العسكرية (1400 مليون دولار سنويا منذ عام 1979) ل يحق
لها الحصول علي عمولة.. لكنها.. تحصل علي مكافأة تقترب من نسبة العمولة وهي من خمسة
إلي عشرة في المائة. وقد اصيب كامل عبد الفتاح في آخر أيامه بسرطان في الأمعاء ودخل
مستشفي برنيسل كريس (أغلي مستشفي في لندن) ليعالج منه.. لكن.. بعد تدهور حالته نقل
إلي بيته في العجمي ليكون أصدقاؤه وابنته شيرين قريبة منه. واشيع أنه أحب وتزوج من
نجمة سينمائية مشهورة لكنه طلبت الطلاق خوفا علي فقدان معجبيها.. لكنها.. عندم عرفت
بمرضه سعت للزواج منه.. لكن عائلته وقفت له بالمرصاد. وبجانب كامل عبد الفتاح حصل
بعض من جيله علي توكيلات أخري.. مثل اللواء حسام سويلم الذي تخصص في نماذج تدريب
الطيارين.. وصبحي الطويل وكيل ماركوني.. وعبد الخالق مطاوع.. وكان رئيس اتحاد
البريدج.. وزوج والدة زهير جرانة المعروفة باسم بوسي بعد أن طلقها زوجه وحيد
جرانة.
7
في السبعينيات ساهم كامل عبدالفتاح في تأسيس شركة "ايتسكو" (الشركة
المصرية الأمريكية للنقل) مع أبو غزالة ومنير ثابت وكمال حسن علي.. وربما سوزان
مبارك أيضا علي حد ما ذكر موقع "أرب ريترز".. وإن كان ذلك صحيحا.. فلابد أنها توارت
وراء حصة شقيقها.. والأهم منهم جميعا.. حسين سالم الذي كان المدير المسئول عن
الشركة. كانت الشركة تنقل السلاح من الولايات المتحدة إلي مصر مخالفة بذلك قانون
المعونة الأمريكية الذي يفرض أن تكون شركات النقل أمريكية أيضا.. لكن.. السر في
السماح لشركة ايتسكو بنقل السلاح الأمريكي أحيانا أنها استخدمت في عمليات قذرة
لوكالة المخابرات المركزية. فطبقا لأقوال ضابط المخابرات الأمريكي الأسبق إدوين
ويلسون.. فإن هناك شركاء سريين في ايتسكو تورطوا في فضيحة إيران كونترا.. منهم
إدوين ويلسون وتيودر شاكي صديق وزميل جورج بوش الأب في المخابرات المركزية وكانت
نسبتهما في الشركة (49 %)، واعترف بذلك ضابطا المخابرات ريتشارد سيكورد وتوماس
كلاينز.. أما نائب مدير هيئة المعونة العسكرية في البنتاجون أريك فون ماربود.. فهو
الذي ضغط لحصول أيتسكو علي عقود مع البنتاجون بما يمثل تعارض صريحا للمصالح.. وفيما
بعد اتهمت الشركة بتحميل الحكومة الأمريكية نفقات إضافية وصلت إلي ثمانية ملايين
دولار.. واستخدم المبلغ في تمويل عمليات سرية لمتمردي الكونترا. وأصبح حسين سالم
مطلوبا في قضية فجرتها الإدارة الأمريكية بعد أسابيع قليلة من تولي مبارك السلطة..
ونشرت تفاصيلها صحيفة "واشنطن بوست".. وطورد حسين سالم ليمثل أمام محكمة أمريكية ..
وتدخل باقي شركائه من عائلة مبارك وخارجها في إنقاذه بدفع غرامة مالية وصلت إلي 16
مليون دولار. وكان لافتاً للنظر ارتباط مبارك به رغم أن ذلك يسيء إلي سمعته
السياسية.. لكن.. المصالح المالية كانت علي ما يبدو أهم.. طبقا لقاعدة «أطعم الفم
تستحي العين».. وهي قاعدة تنطبق علي الكبار قبل الصغار. وخوفا من أن تنتقل الفضيحة
من الخارج إلي الداخل طلب مبارك فيما بعد من زعيم المعارضة البرلمانية المستشار
ممتاز نصار أن يتدخل لمنع استجواب النائب الوفدي علوي حافظ عنها.. ولم يكن ذلك سوي
حماية لرجل لم نسمع عنه وقتها.. هو حسين سالم الذي سيصبح فيما بعد مندوب الثروة
لمبارك وعائلته. وما أثار تعليقات الصحافة الأمريكية وجود حسين سالم في جميع
المؤتمرات واللقاءات التي حضرها رؤساء الولايات المتحدة (مثل كلينتون وبوش) في شرم
الشيخ.. فقد لفت نظرهم أن رجلا كان مطلوبا للعدالة هناك يستقبل رموز الحكم في
العالم. وحسين سالم بدأ حياته موظفا إداريا في سفارة مصر في العراق وقت أن كان
مسئولا عنها أمين هويدي.. ولبراعته في التقرب من الكبار نقله أمين هويدي معه في كل
مكان تولاه بما في ذلك المخابرات العامة التي أشرف عليه بعد هزيمة يونيو.. واستثناه
رغم" الحول" الذي في عينه من شروط اللياقة البدنية. وفي الإمارات حيث خدم لبعض
الوقت حدث أمر ما جعل السلطات هناك تقبض عليه وتضعه في السجن.. لكن.. صديقه علي
الشرفة رئيس الديوان السابق للحاكم نجح في إخراجه للنور من جديد.. وفيما بعد اشتري
منه قصره في شارع العروبة بحي مصر الجديدة. واللافت للنظر أن الإمارت كانت الدولة
التي هرب إليه بطائرته الخاصة في الوقت المناسب قبل مظاهرات 25 يناير.. وكان معه
مبالغ سائلة تقدر بملايين الدولارات.. طار بها إلي سويسرا.. ومنها إلي إسبانيا التي
يحمل هو وعائلته جنسيته ليستقر فيها.. دون أن نعرف.. هل يعيد لمبارك نصيبه في
الثروة الهائلة التي جمعها بمساعدته ــ من السلاح وغير السلاح ــ أم أنه سيتنصل منه
ويتنكر له بعد أن فقد سلطته وسلطانه؟
8
لم تكن فضيحة أيتسكو هي الفضيحة
الوحيدة لتوكيلات السلاح في مصر.. كانت هناك فضيحة أخري كشفت في بداية التسعينات..
بطلتها عضو سابق في مجلس الشعب.. اتهمتها الجهات الأمريكية المختصة بأنه حصلت علي
صفقة عبارة عن ثلاث طائرات نقل حربية (سي ــ 130) من طراز هركليز قيمتها 20 مليون
دولار عبر مكتب زوجها.. وبحكم نفوذها السياسي.. وهو ما تحرمه وتجرمه قوانين
المنافسة الأمريكية. وفشلت تلك السيدة التي تعد واحدة من رموز المجتمع السياسي
والثقافي في إثبات أن عضو مجلس الشعب ل يتمتع بأي نفوذ يؤهله للحصول علي مثل هذه
الصفقات.. ووجدت الشركة البائعة لوكهيد نفسها في ورطة.. اضطرت معها أن تعترف
بالجريمة.. وتدفع الغرامة المطلوبة.. كي ل تتوقف معاملاتها مع الحكومة الأمريكية..
وهي معاملات تقدر بالمليارات.. سنويا.
9
ويكشف دليل معرض القاهرة العسكري
أيضا عن وكيل سلاح آخر في مصر هو محمد نصير.. صاحب شركة ألكان القابضة.. وكانت
شركات السلاح التي يتعامل معها فرنسية متخصصة في تسليح وتجهيز الطائرات.. وإنتاج
حاملات القنابل.. وطائرات نقل المؤن.. وغيرها.. ونشر الدليل إعلان باللغة
الإنجليزية يتضمن هذه المعلومات. وبجانب توكيلات السلاح تتنوع مجالات استثمارات
محمد نصير.. مصانع.. اتصالات.. سياحة.. طيران.. تمويل عقاري.. تجارة وتوزيع.. وقد
وصلت ثروته في عام 1998 إلي 300 مليون دولار طبقا لتقديرات مجلة فوربس.. فقد كان
النجاح علي حد قوله "هو أجمل متع حياته".. ويضيف: "إنني فور أن أتأكد من نجاح مشروع
من مشروعاتي أقوم ببيعه علي الفور كي أبدأ مشروعا جديدا". وبعد أن عرفت مصر
التليفون المحمول تقدم لنيل الامتياز الثاني له وفاز في المزايدة ــ علي منافسه
نجيب ساويرس باسم كليك التي باعها لشركة فودافون العالمية فيما بعد.. لكنه.. لم
يتردد في بيع أسهمه في هذه الشركة ليبحث عن مشروع آخر يقتنصه. وسبق أن اشتري شركة
بيبسي كولا المصرية هو وشريك سعودي بسعر ضئيل مقارنة بما كانت تملك من أصول : 8
مصانع و18 خط إنتاج ومئات من لوريات التوزيع ومساحات هائلة من المخازن.. كل ذلك بما
لا يزيد علي 155 مليون جنيه.. (بيع 77 %) منها لشركة بيبسي كولا العالمية بنحو 400
مليون دولار.. فزادت نسبتها إلي (79%) طبقا لما نشرته إيجبشن جازيت.. وكانت هذه
العملية أول عملية خصخصة لشركة حكومية في عصر مبارك تثير جدلا واسعا في الصحف. وبني
محمد نصير مباني قريبة من منطقة القلعة مقابل بناء مركز مالي يقدم هدية للحكومة..
ولكن هيئة الآثار وجدت أن ارتفاعات المباني يشوه المكان التاريخي المتميز فقررت
إيقاف المشروع.. فما كان منه إلا أن انفق عشرة ملايين جنيه علي مهرجان القاهرة
السينمائي لعل ذلك يشفع له في مواصلة المشروع. وطبقا لسيرته الذاتية.. تزوج من ابنه
عبد اللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة ثورة يوليو.. وانجب منها ولد وبنتا.. ثم تزوج
من غيرها فيما بعد.. وارتبط بالمخابرات العامة.. وتقرب من مبارك.. وبعد ثلاثة شهور
من العلاج في فرنسا وألمانيا توفي عن عمر 73 سنة في 22 مايو 2009. ومنذ اللحظة
الأولي أبعد محمد نصير ابنه خالد عن عالم السلاح تجنبا لمتاعب لا يحتملها.. وترك
مسئولية هذ النشاط في شركته إلي شخص آخر يدعي سيف فهمي.. وسيف فهمي كان متزوجا من
مصممة ديكور معروفة اسمه مني حسين، ثم طلقها بعد ان ترك لها فيللا في القطامية
هايتس.. وهو شقيق شهيرة فهمي التي تزوجت من طارق ابن عمر الشريف.. لكن.. علي ما
يبدو فإن مشاكله الخاصة اضطرته للابتعاد عن محمد نصير.. وإن واصل العمل في توكيلات
السلاح بعد ذلك.. خاصة عندما ظهر حسين فهمي (عمره 55 سنة ويعرف باسم سينكو وهو غير
النجم حسين فهمي) كاتم أسرار محمد نصير الذي اصبح رجل السلاح الاول في شركته. لكن..
قبل ذلك كله فإن محمد نصير هو التلميذ النجيب لرشدي صبحي.. الرجل الذي بدونه لا
يمكن الكتابة عن تجار السلاح في مصر.
10
رشدي صبحي أكبر تاجر سلاح عرفته
منطقة الشرق الأوسط وأكثرهم تواضعا وحبا لمن حوله.. خاصة أصدقاءه الذين لم يتردد
يوما في مساعدتهم في تكوين ثرواتهم.. ومنهم سامي سعد ورؤوف غالي وأمين فخري عبد
النور ومكرم كمال عثمان ومحمد نصير بالطبع. في خمسينيات القرن الماضي بدأ رشدي صبحي
حياته العملية موظفا حكوميا.. لكنه سرعان ما تمرد علي الوظيفة "الميري" واحترف
التجارة في سلع وخدمات متنوعة لم يكن من بينها السلاح في ذلك الوقت.. فالسلاح منذ
الصفقة العسكرية الأولي التي عقدت مع الاتحاد السوفيتي بغطاء تشيكوسلوفاكي عام 1955
أصبح بعيدا عن الأفراد.. واستمر السلاح تحت السيطرة الحكومية طوال فترة الإمدادات
السوفيتية.. ولم يعرف توكيلات الأفراد والشركات الخاصة إلا بعد أن اصبح التسليح
أمريكيا. لكن.. هذه القاعدة لم تخل من الاستثناء.. فكثيرا ما كانت الحكومة المصرية
تلجأ إلي شركات غربية للحصول علي معدات وآليات لا توفرها التكنولوجيا الروسية.. ومن
ثم قبلت بوجود وسطاء وسماسرة.. وكان أول من خرق تلك القاعدة رشدي صبحي. لم تكن
مسيرته العملية علي ما يبدو سهلة.. فقد أفلس ثلاث مرات في حياته.. لكنه.. نجح في
استرداد ما فقد خاصة بعد أن ترك البلاد وعاش في لندن وبدأ في تجارة السلاح. في
أوائل ستينيات القرن الماضي كشف رشدي صبحي عن أعماله الخفية عندما باع للجيش المصري
أتوبيسات وسيارات مرسيدس. وفي ذلك الوقت تقريبا أنشا شركة هابي تورز للسياحة لتكون
غطاء لسفرياته المتعددة والمستقبلية.. وكان شركاؤه فيها مكرم كمال عثمان ومحمد
محمود نصير وأمين فخري عبد النور.. قبل نهاية القرن الماضي.. في عام 1999 تحولت
الشركة المحدودة إلي شركة مساهمة برأسمال 150 مليون جنيه.. مدفوع منه 15 مليون
جنيه.. وفي عام 2002 زاد رأس المال المدفوع إلي 20 مليون جنيه.. ورصد السجل التجاري
للشركة (ويحمل رقم 109425) هذه التغيرات. كان المدير المسئول عن الشركة هو أمين
فخري عبد النور، أما أعضاء مجلس الإدارة فكانوا رشدي صبحي ومحمد سمير حلاوة وبطرس
بطرس غالي. في ذلك الوقت أيضا قويت الصلات بين محمد نصير ورشدي صبحي الذي ساعده
ليكون وكيلا لبعض شركات السلاح.. وتكوين أولي شركاته.. شركة جيزة سيستم
للتكنولوجيا.. وكان محمد نصير قد بدأ نشاطه الخارجي بالعمل مع رجل الأعمال اليوناني
لتسيس المنافس القوي للمليونير الشهير أوناسيس.
11
عندما وصل أنور السادات
إلي السلطة تضاعف دور رشدي صبحي.. فقد أهدي المصري الثري للرئيس الجديد مجموعة من
سيارات المرسيدس المصفحة استخدمها في تنقلاته وتنقلات ضيوفه من كبار الشخصيات
الأجنبية. لكن.. المساندة القوية التي قدمها رشدي صبحي إلي أنور السادات كانت بعد
مظاهرات الطعام (18 و19 يناير 1977) التي هزت أركان حكمه واصابته باضطراب نفسي
حاد.. في ذلك الوقت طلبت مصر من البنك الدولي قرضا عاجل لتجاوز الأزمة.. فاشترط
البنك الدولي ضمانا للقرض من عثمان أحمد عثمان أو رشدي صبحي.. فلم يتردد رشدي صبحي
في تقديم ما هو مطلوب.. وكان لابد من مكافأته. وافق أنور السادات علي منحه مشروع
هضبة الأهرام لبناء منتجعات سياحية بالقرب من أهم منطقة أثرية.. وهو م أثار استياء
المثقفين المصريين فشنوا حملة مضادة للمشروع قادتها الدكتورة نعمات أحمد فؤاد..
وانتهت بالتراجع عن المشروع.. ولم يقبل رشدي صبحي تعويضا عن ما أنفق عليه. أما
المكافأة البديلة التي حصل عليها فكانت امتياز التصرف في أرض المقطم والمنتزه..
وأسس شركتين.. الشركة الأولي لتوزيع فيلات وكبائن المنتزه.. بجانب السماح لها بفتح
نواد للقمار في فنادق خمس نجوم.. والشركة الثانية لتقسيم وبيع أرض المقطم.. ومقابل
قروش زهيدة دفعت في المتر المربع بيع بجنيهات عديدة.. وكسب رشدي صبحي ملايين
الدولارات في أيام معدودة. وحدث أن تواجد رشدي صبحي في حفل حضره السفير المصري هناك
سميح أنور.. ولاحظ رشدي صبحي أن السفير جاء بسيارة مرسيدس ــ 230 بينما هو جاء
بسيارة مرسيدس ــ 600 لا تصنع إلا للرؤساء والأمراء والشخصيات الدينية المهمة مثل
بابا الفاتيكان.. فقال رشدي صبحي للسفير :"لا يرضيني أن تكون سيارة سفير بلادي أقل
من سيارتي".. وقرر التبرع بها.. لكن.. السفير رفض قبول الهدية لشخصه.. واستأذن في
أن تكون هدية رسمية للسفارة.. وعندما وصل الأمر إلي أنور السادات قال :"م دامت من
رشدي صبحي.. خذوها.. فهو شخص محترم".
12
ومن الرجال الذين انتموا لهابي
تورز وساعدهم رشدي صبحي كان أيضا مكرم كمال عثمان.. وعمره 89 سنة.. فقد سانده في
الحصول علي المقاولة العمومية الأولي لمشروع مترو الأنفاق.. وساعده بعلاقاته في أن
يحصل ابنه علي موقع متميز في شارع العروبة لإقامة محطة بنزين (موبيل) هناك. وبجانب
المقاولات يعمل مكرم عثمان في توريد أنواع من السلاح والمعدات العسكرية. ومن
المقربين أيضا من رشدي صبحي رجل الأعمال الشهير سامي سعد وهو صديق وفي له.. ولم يكن
رشدي صبحي يتوقف عن الكلام عنه والإعجاب به.. ويقول :"إنه اشتري سيارة كبيرة لينام
فيها وهو يتنقل بين مواقع مشروعات المقاولات التي ينفذها (ومنها مطار الغردقة) حتي
لا يضيع ساعات النوم بعيدا عن العمل".. وأغلب الظن أن رشدي صبحي كان وراء حصوله علي
توكيل سيارات مرسيدس. وكانت شلة رشدي صبحي تبتسم عندما تسمع الجميع يتساءلون عن سر
فضيحة المرسيدس والعمولات التي دفعت فيها وحصل عليها مسئولون مجهولون جري التستر
عليهم.. فالسر كله عند رشدي صبحي.. لكن.. السر مات يوم مات رشدي صبحي في يوم 8
يناير الماضي.. ولم ينشر عزاء له سوي خالد نصير
13
وتزوج رشدي صبحي مرة
واحدة في حياته من سيدة كانت متزوجة من رجل مسلم انجبت منه شهير الزيادي الذي يعرفه
الجميع بأنه الشقيق الثالث لكريم ودينا رشدي صبحي من نفس الأم. وشهير الزيادي هو
الصديق المقرب لطارق نور وفاتن حمامة وزوجها الدكتور محمد عبدالوهاب.. وكان هؤلاء
ضيوفا دائمين علي يخت شهير الزيادي.. وقيل إنه لم يكن يمتلكه وإنما يستأجره في شهر
أغسطس ليتجول به وبأصحابه في موانئ البحر المتوسط.. وربما كانت هذه العلاقة سببا في
القول بأن رشدي صبحي ساعد طارق نور في الحصول علي توكيلات إعلانية. وعندما تزوجت
دينا ابنة رشدي صبحي من عادل نصيف.. حرص والدها علي أن يكون الحفل الذي أقيم في
فيلته بلندن بسيطا مقارنة بما يملك.. والفيللا سبق أن شاهدها المصريون في إعلان "سر
شويبس" التي كان ينفذه طارق نور للمشروب الغازي الذي ينتجه سامي سعد.. وفي الإعلان
يسقط حسن عابدين في حمام سباحة الفيللا. علي باب الفيللا وقف لاستقبال المدعوين
للفرح سامي سعد وأشرف مروان وكمال أدهم وسمير رؤوف.. وكانت هدايا "المعازيم" أظرف
داخلها شيكات باسم العروس تتراوح قيمتها ما بين 250 و500 ألف دولار. وكما أنشأ رشدي
صبحي شركة سياحة لتغطية سفرياته أنشأ بنكا لتغطية أعماله.. سدد بمفرده رأسماله (500
مليون دولار) بالكامل.. وترك إدارته لسيدة اسمها زينب.. كانت ذراعه اليمني.. ولم
يعرف أحد بهذا البنك الموجود في إحدي جزر الكاريبي إلا عندما منح زوج ابنته عادل
نصيف قرضا للإتجار في السكر.. لكنه.. لم ينجح.. فاهتز البنك.. وأصبحت سيرته علي كل
لسان. ومن أصدقاء رشدي صبحي كذلك صبحي غالي.. رجل الأعمال الوحيد الذي كان يمتلك
سيارة رولز رويس (ملاكي إسكندرية رقم 700) أيام جمال عبد الناصر.. وفي بداية م سمي
بالانفتاح الاقتصادي سارع بتكوين شركات متنوعة.. لكنها تأثرت بحالته الصحية التي
بدأت في التدهور.. فساعده رشدي صبحي ــ دون أن يشعره بالحرج ــ بأن اشتري منه
شركتين.. شركة بريسكو.. وشركة بيرجر.. وكانت الشركة الأولي تنتج الكاتشب وتعرضت
لخسائر بعد أن جاء المنافس الأجنبي.. وكانت الشركة الثانية تمتلك سلسلة محلات
للهامبرجر تعرضت هي الأخري للخسارة بعد أن جاء ماكدونالدز وماك بيرجر وغيرهما..
اشتري صبحي الشركتين لابنه كريم ليديرهما بدون مساعدته.. نوعا من اختبار قدرته علي
تحمل المسئولية وموهبته في التعامل مع الشركات المتعثرة.
14
في القاهرة
كانت شلة رشدي صبحي تسهر في ملهي البلفيدير بالدور الأخير من فندق هيلتون النيل..
وتنفق أكثر من غيرها.. في وقت كانت فيه الناصرية علي أشدها.. وهو ما جعلهم يحظون
بلقب "لوردات الاشتراكية". أما شلته في لندن فكان أبرزها أشرف مروان وسمير رؤوف
الذي كان يعير سيارته الرولز رويس إلي جيهان السادات خلال زيارتها للندن وهو يملك
شركة لترميم البيوت الأثرية دون العبث بطابعها. وفي بداية التسعينيات ساعد سمير
رؤوف بناته علي تكوين شركاتهن الخاصة ليواصلن الحياة المترفة التي يهواها.. فهو
سكندري الأصل.. يمتلك فيلا في منطقة رشدي تقع علي أربع نواصي.. وحاول أكثر من محافظ
اتهامه بالتعدي علي حديقة عامة داخل الفيلا.. لكنهم لم يصلوا إلي شيء.. وكان قد
اقام في هذه الحديقة ملهي خاصاً يسهر فيه هو وأصدقاؤه. أما أشرف مروان ــ المعروف
عنه الكثير خاصة بعد تورطه في العمالة للمخابرات الإسرائيلية ــ فقد ابتعد عنه رشدي
صبحي بعد أن اتحد مع رجل الأعمال البريطاني تيني رولاند ضد محمد الفايد.. وكان تيني
رولاند قد جمع ثروته الأولي من مناجم أفريقيا في سنوات التفرقة العنصرية.. وبعد أن
عاد إلي بلاده دخل في حرب شرسة ضد محمد الفايد علي شراء متاجر هارودز.. وكان سببا
مباشرا في حرمان الملياردير المصري المهاجر من الجنسية البريطانية التي لم ينلها
حتي الآن.
15
ويعد تيني رولاند واحد من جماعة الأقوياء الذين يطلق عليهم
"لو سيكري" أو الدائرة باللغة الفرنسية.. وهي مجموعة شديدة الثراء.. قادرة علي
التأثير في قررات السياسة الدولية.. بما في ذلك اختيار الحكام.. وأمين عام الأمم
المتحدة.. ورئيسي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.. وغيرهم. كشف النقاب عن هذه
المجموعة أول مرة عام 1975 وعرفت وقتها بدائرة بينه.. وزير خارجية فرنسا وقتها الذي
تحالف سرا مع رجال الثروة كي يسيطر علي رجال السلطة.. ونشر أكثر من مرة أن وكالة
المخابرات المركزية الأمريكية تمول أنشطة الدائرة وتسيطر علي توجهاتها. وفي أحد
محاضر "لو سيكري" وصف تيني رولاند صديقه اشرف مروان باسم "دكتور ديث".. أو "دكتور
موت" لأنه حسب ما نشر كان يدير غرف للتعذيب في الفترة ما بين 1971 و1978 عندما كان
سكرتيرا للرئيس أنور السادات. وقد تولي أشرف مروان مهمة إنشاء الهيئة العربية
للتصنيع كي تنتج المعدات والأسلحة العسكرية بمشاركة بين مصر وبعض الدول العربية..
وساعدته هذه الهيئة بجانب نفوذه السياسي علي أن ينفرد بكثير من صفقات السلاح التي
نفذها لصالح دول عربية مختلفة.. وكانت بداية خميرة ثروته الهائلة. وكانت بداية
علاقته بتجارة السلاح عندما نفذ صفقة طائرات الميراج التي اشترتها ليبيا من مصانع
داسو الفرنسية لتقدم بعضها إلي مصر قبل حرب أكتوبر ولتحتفظ لنفسه بالبعض الآخر. ولم
تكن هذه الصفقة هي صفقة السلاح الأخيرة التي توسط فيها لليبيا هو وصديقه تيني
رولاند.. فقد انتهت علاقتهما بالقذافي وقذاف الدم إلي العديد من الصفقات العسكرية
التي كسبا من ورائها ملايين الملايين.. وكان يشاركهما أحيانا عدنان خاشقجي.
16
وهناك تاجر سلاح آخر يرتبط اسمه بأشرف مروان هو رمزي دلول ويمتلك شركة تسمي
"أرمي" في لبنان.. وعمره الآن 75 سنة.. وكان وراء أول صفقة طائرات ميراج للعراق
وافق عليها نائب الرئيس صدام حسين عام 1991، عندم قرر كسر احتكار السلاح السوفيتي..
وبلغت قيمة الصفقة 400 مليون دولار كانت عمولة رمزي دلول منها 20 مليون دولار.. وقد
غضب صدام حسين منه بعد أن عرف بأمر العمولة، فقد كان يغدق عليه المال دون صفقات..
وبعد طرده من العراق لجا إلي ليبيا. في يناير 1989 نشرت صحيفة واشنطن بوست أنه شريك
في مصنع لإنتاج السلاح الكيماوي في ليبيا، لكن الصحيفة سرعان ما اعتذرت له بعد أن
فشلت في تقديم دليل علي صحة ما قالت. وكان ظهوره اسمه آخر مرة في 29 يناير 2007 بعد
مقتل أشرف مروان.. عندما أكد أنه كان يعمل معه لمدة 15 سنة.. ووصفه بأنه كان "رجل
طيب ومتدين لا يشرب الخمر". وهناك من يقول إن أشرف مروان قد قتل لكشفه صفقة اليمامة
التي باعت فيها بريطانيا طائرات عسكرية للسعودية واتهم مارك ابن رئيسة الحكومة
السابقة مارجريت تاتشر بأخذ العمولة هو والأمير بندر بن سلطان والأمير طارق بن ناصر
بن عبد العزيز.. وكان كشف اشرف مروان للصفقة أنه أراد أن تذهب إلي ميراج التي يرتبط
بها منذ زمن بعيد.
17
ومن وكلاء السلاح في مصر شفيق جبر.. وهو شخص موهوب في
العلاقات العامة والاتصالات الشخصية والسياسية.. العربية والأمريكية.. وبجانب شركة
ارتك القابضة للاستثمار والتنمية التي يديرها في المقطم ينشر مجلات اجتماعية باللغة
الإنجليزية للطبقات الثرية.. كم أنه يقدم نفسه كما لو كان مفكرا استراتيجيا من خلال
منتديات يشرف عليها.. ويدعو إليها شخصيات مؤثرة هن وهناك يسعي جاهدا للارتباط بها..
مثل رئيس الحكومة السابق أحمد نظيف.. بجانب رموز بارزة في لجنة السياسيات ــ التي
يفخر بوجوده فيها ــ علي رأسها جمال مبارك نفسه.. وسبق أن تولي رئاسة غرفة التجارة
الأمريكية.. وكان من مؤسسي المركز المصري للدراسات الاقتصادية مع جمال مبارك
وإبراهيم كامل.. وفي هذ المركز ولدت فكرة التوريث.. كما أنه عضو في منظمة تدعو إلي
السلام في الشرق الأوسط. ولا شك أن صلته بالسلطة السياسية أتاحت له الحصول علي
مشروعات بي أو تي في الغاز والشحن.. لكن.. توكيلات السلاح التي يديرها تعمل في
الطائرات وأجهزة الاتصالات والسيارات العسكرية. وهو يتميز بقدرته الفائقة علي
مجاملة الشخصيات المهمة كي يكون قريبا منها.. ويروي محمد العبار رئيس شركة إعمار
:"أنه كان يأتي بطائرة خاصة كي يزور والدته في دبي ولو كانت مريضة بالزكام".. ويضف
:"إنه أوحي لي بصلته القوية بمبارك وعائلته".. ويبدو أن هذ الإيحاء كان سببا مباشرا
في إدخاله شريكا في إعمار مصر.. لكن.. يبدو ايضا أن ما كان يوحي به لم يكن صحيحا..
ومن ثم دب الخلاف بينه وبين شركائه في الإمارات.. وترتب علي ذلك خروج من الشركة
فائز بمليار جنيه دون أن يدفع سوي القليل.. علي أنه اعترض علي دفع ضرائب علي المبلغ
الذي قبضه.. وأغلب الظن أنه يريد استرداده الآن بقضية عاجلة يرفعها أمام المحاكم ضد
الحكومة. ويروي وزير سابق: إنه كان يزور رجل أعمال سعودي في الرياض لحثه علي نقل
جزء من استثماراته إلي مصر.. وفي وسط المباحثات تلقي تليفونا من شفيق جبر يهنئه فيه
بحفيد جاءت به ابنته التي كانت في المستشفي تنتظر الوضع.. وتعجب الرجل كيف عرف شفيق
جبر وهو في القاهرة بخبر يخصه وهو قريب منه في الرياض ؟ ومن وكلاء السلاح في مصر
أيضا عبد الحيلم عاصم.. الشهير بحليم عاصم.. وهو متخصص في استيراد أنظمة الدفاع
الجوي. ومنهم أيضا أيمن عثمان.. وابنته متزوجة من ابن يحيي الجمال.. الشقيق الثالث
للأخوين محمود ومنصور الجمال.. ويسكن في القطامية. ومنهم كذلك سمير همام المقيم
بأمريكا.. ولا نعرف أكثر من اسمه. ومهما كانت هذه المعلومات ــ من أول سطر إلي آخر
سطر ــ غير معروفة، فإنها لا تمثل سوي قطرة في بحر مما يجب أن يعرف.. فلن نعرف
حقيقة الثروات في مصر ــ خاصة ثروة مبارك وعائلته ــ ما لم نعرف كل المعلومات..
والصفقات.. والعلاقات.. والتحالفات
البورصة هائلة.. فإنها ستكون صفرا علي الشمال إذا ما قورنت بمكاسب تجارة السلاح.
ولو كانت ثروة مبارك وعائلته تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، فإن الجزء الأكبر
منها سيكون بالقطع ملوثا بهذه التجارة الخفية.. فلا يمكن أن تكون ثروة بكل هذا
الحجم ما لم تفح منها رائحة البارود. لكن.. وكلاء شركات السلاح في مصر يصعب التعرف
عليهم.. فهم لا يفصحون عن نشاطهم.. ويفضلون الظهور بأنشطة أخري يتسترون وراءها..
مقاولات.. اتصالات.. أنظمة معلومات.. توكيلات سيارات.. مثلا.. بل إن بعضهم يقدم
نفسه للمجتمع علي أنه مفكر استراتيجي يدير مراكز للأبحاث السياسية.. وينشر مجلات
اجتماعية.. فنحن أمام حالات مثالية لدكتور جيكل ومستر هايد. وهم في الغالب شخصيات
مهذبة.. متواضعة.. محبة للحياة.. دائمة السفر.. عاشقة للترف.. سيجار.. شمبانيا..
فواجراه .. يخوت.. تزحلق علي الجليد.. وساعات طويلة في كازينوهات القمار أحيانا..
دون أن تنسي زيارة بيوت الله لتجديد المغفرة من وقت لآخر. وهم أيضا شخصيات تتجنب
التورط في المتاعب مهما كانت عابرة.. بل.. وتتبني كثيرا من أعمال الخير.. ولا تتردد
في تمويلها.. فعقدة الذنب مما تفعل ربما تعذبها وتؤرقها.. وربم تسحقها وتدهسها.
لكن.. هناك قلة منهم تحترف القذارة بحكم طبيعته الشخصية.. وتدلل مجتمعات القاهرة
وسهراتها علي ذلك بالجريمة البشعة التي ارتكبها أحد وكلاء السلاح.. في بداية حياته
العملية اغتصب صديقه شقيقته وغدر بها وتنكر لها وكان ذلك في أوائل السبعينيات..
لكن.. شاء القدر أن ينتقم منه بفقد رجولته بعد إصابته في حادث سيارة.. خرج منه حيا
بمعجزة.
2
وهناك فرق بين تاجر سلاح.. ووكيل سلاح.. تاجر السلاح مهنة سرية..
يصعب الكشف عن أصحابها.. وربما كانوا في مناصب سيادية مهمة.. مثل ديك تشيني وزير
الدفاع في إدارة جورج بوش الأب ونائب الرئيس في إدارة جورج بوش الابن.. ومثل عدنان
خاشقجي الذي كان وراء تهريب يهود الفلاشا من إثيوبيا إلي إسرائيل عبر السودان..
وقبض حاكمها في ذلك الوقت جعفر نميري الثمن 10 ملايين دولار.. فدور سمسار السلاح لا
يتوقف عند البيع والشراء. أما وكيل السلاح فمهنة مكشوفة.. مشروعة، فهو ممثل لشركات
كبري مقابل عمولة.. أو مقابل مكافأة علي خدماته في متابعة تنفيذ الصفقات التي تبرم
مع بلاده أو مع بلاد أخري حولها إذا كانت دائرته إقليمية.. كما أن علاقته بالسلطة
قوية ومباشرة.. فهما وجهان لصفقة واحدة. وغالبا ما تكون نهاية تجار السلاح نهاية
مأساوية.. فأشرف مروان ألقي من شرفة بيته في لندن.. وعدنان خاشقجي وضعت في يده
"أسورة" إلكترونية تحدد مكانه.. فرضت عليه الإقامة في دائرة محددة لا يحق له الخروج
منها.. مثل المشبوهين الجنائيين وأصحاب السوابق.. واضطر إلي تصفية ممتلكاته ومنها
يخت (نبيلة) الشهير الذي اشتراه دونالد ترامب ثم الوليد بن طلال.. وكريم رشدي صبحي
ــ ابن أكبر وأقدم وأشهر تاجر سلاح مصري ــ تحطمت طائرته في قمة جبل في الهند..
وانتهي التحقيق إلي وجود شبهات جنائية.. لكنه.. قيد ضد مجهول.. وعلي شفيق مدير مكتب
المشير عبد الحكيم عامر وزوج المطربة مها صبري قتل في شقته بريجنت ستريت.. شارع
الأطباء في لندن.. وسلطان كمال أدهم ــ ابن مدير المخابرات السعودية الأسبق كمال
أدهم والزوج الثاني لشرين رضا طليقة عمرو دياب وأحد المتورطين في فضيحة بنك
الاعتماد والتجارة بما يصل إلي 240 مليون دولار ــ اشتعلت النيران في الطوابق
الثلاثة التي كان يسكنها في عمارة علي نيل الجيزة.. وخرجت من بين النيران 20 خادمة
أسيوية في حالة فزع.. وحازم عيسي أغلقت علي رقبته بوابة حديدية في ضاحية إسبانية
علي أطراف مدريد.
3
حازم عيسي كان وحيد والده الدكتور علي عيسي.. أشهر طبيب
قلب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.. وكان زبائنه من نجوم السياسية.. مثل جمال
عبد الناصر.. ونجوم الفن.. مثل تحية كاريوكا.. وكان يسكن علي النيل.. في العمارة
المجاورة لعمارة ليبون.. ويملك شقة أخري بالإسكندرية تطل علي البحر في ميامي.. ورغم
التقشف الترفي الذي ساد الحقبة الناصرية، فإنه وعائلته كانوا يعيشون عيشة الملوك..
لا ينقصهم منها شيء. كان حازم عيسي متفوقا في دراسته.. الأول علي
مدرسته.."الجزويت".. وقد تمني أن يدرس الاقتصاد والعلوم السياسية.. لكنه.. خضع
لرغبة والده ودرس الطب، ورغم ذلك تخرج في مقدمة دفعته.. علي أنه رفض أن يعين
معيدا.. وراح يبحث عما يحبه. وضعته الصدفة في طريق شاب لبناني ذكي هو عبد الرحمن
الأسير.. كان الزوج الثالث للسيدة سميرة خاشقجي بعد زوجه الأول رجل الأعمال المصري
محمد الفايد الذي أنجبت منه دودي.. صاحب النهاية الدرامية الشهيرة مع الأميرة
ديانا.. وبعد زوجها الثاني الدبلوماسي السعودي أنس ياسين الذي أنجبت منه جمانة..
رئيسة تحرير مجلة "الشرقية".. وفيما بعد طلقت سميرة خاشقجي من عبدالرحمن الأسير بعد
أن أحب وتزوج ابنة سفير إسباني خدم في القاهرة.. ولم تمر سوي سنوات قليلة حتي توفيت
من شدة الألم النفسي. كان عبد الرحمن الأسير يعمل مع شقيقها عدنان خاشقجي في تجارة
السلاح وجذبت هذه المهنة الخطرة بكل ما فيها من إثارة حازم عيسي.. فانضم إليهما
وعمل معهما.. وعاش حياته متنقلا بين عواصم الدنيا علي طائرات خاصة.. يفضل أصحابها
النوم علي متنها حتي لا يكونوا عرضة للقتل السهل في الفنادق.. واختار حازم عيسي
باريس لتكون مدينته المختارة.. المحببة.. وشهد ملهي رجين في الشانزليزيه سهراته
الدائمة التي كان يدعو إليها أصدقاءه القدامي من أيام المدرسة والجامعة.. ولم يكن
يتكلم معهم عن تجارة الموت التي يمارسها.. وإنما كان يكتفي بالمرح والصخب وتدخين
السيجار وتبادل النكات. لقد خرج حازم عيسي من الحياة المحافظة التي تربي فيها إلي
حياة مثيرة.. فهو بحكم اقترابه من عدنان خاشقجي وجد نفسه أمام حكام العالم الذين
يستقبلونه في قصورهم.. من سلطان بروناي إلي رئيس السودان.. ومن ملك إسبانيا إلي
رئيس وزراء ماليزيا.. كما وجد الدنيا السهلة بين يديه.. طائرات خاصة رهن الإشارة..
يخوت عريضة يتبادل علي ظهره الأنخاب مع مشاهير نجوم هوليوود.. وفنادق مريحة تأتي له
بحليب العصفور.. وأسواق مميزة تنتج ماركاتها للأثرياء فقط.. وجنة من النساء يسهل
قطفها. لكنه لم يدرك أن المهنة المرعبة التي اختارها لها قواعد وأصول صارمة.. يقتل
من يخرج عنها أو يتخطاها.. منها أل يجوز إبرام صفقة بعيدا عن الكفيل الذي يعمل
معه.. وهو غالب ما وقع فيه.. فكان لابد من عقابه كي يكون عبرة لغيره. كان في مدريد
عندما تلقي دعوة من شخصية إسبانية ملكية مهمة لتناول العشاء في مزرعته البعيدة في
الضواحي.. وركب سيارته المكشوفة.. واتجه إلي المزرعة.. وفتحت البوابة الحديدية
ليدخل بسيارته.. لكنها.. قبل عبور البوابة أغلقت عليه.. وتهشمت سيارته وعجنت بجسده
ودمه.. ومات في الحال.. وبعد شهور قليلة من وفاته رحل والده ووالدته حزن وحسرة
عليه.. فلم يعد لهما مبرر للحياة.. وأصبح مبني المستشفي الذي حلما بإنشائه مجرد
أطلال تنعي الشاب التي شيدت من أجله.
4
والغريب أن حازم عيسي لم يستوعب ما
شاهده في شريط الفيديو الذي وضع في غرفته قبل أيام من اغتياله.. وكان الشريط يسجل
لقطات لجثة علي شفيق بعد قتله. كان علي شفيق قد ترك القاهرة بعد وفاة جمال عبد
الناصر وعاش في لندن واضعا خبرته العسكرية وعلاقاته العربية في خدمة مافيا السلاح..
لكنه.. علي ما يبدو كسر القاعدة.. ونفذ صفقة ما بعيدة عنهم.. وحصل علي عمولة لا
يستحقها.. فتقرر التخلص منه. في ساعة الصفر جاء جيرانه بفرقة موسيقي صاخبة غطت علي
صوت عملية قتله.. ووجدت حقيبة من المال به خمسة ملايين جنية إسترليني بجوار جثته..
فالرسالة واضحة.."من يخرج علينا نحصد حياته لا ماله".. وفي اليوم التالي اختفي
الجيران.. فص ملح وذاب.. وقيد الحادث ضد مجهول.. كما سيحدث فيما بعد مع رئيس الحرس
الجمهوري الأسبق الليثي ناصف.. وسعاد حسني.. وأشرف مروان.
5
قبل اغتيال أنور
السادات في 6 أكتوبر 1981 كان وزير الدفاع محمد عبد الحليم أبو غزالة يستعد لافتتاح
أول معرض علني لشركات السلاح العالمية في مصر.. أطلق عليه "معرض القاهرة العسكري"..
وأقيمت علي هامشه ندوة شارك فيها عسكريون غربيون عن "الاتجاهات الاستراتيجية"
الجديدة بعد حرب أكتوبر.. لكن.. حادث المنصة فرض تأجيل المعرض إلي 31 أكتوبر..
ليستمر في مكانه بمدرسة المدفعية حتي 3 نوفمبر.. ثم ليتكرر مرة أخري.. وأخيرة. كان
المعرض هو المرة الأولي التي تعترف فيها القاهرة بشرعية توكيلات شركات السلاح علي
أرضها.. وتضمن دليل المعرض أسماء 110 شركات أمريكية (مثل هونيويل وهيوز ومايرمونت
ونورثورب وهاريس وليتون ولوكهيد وكولت)، وفرنسية (مثل ميسيه وهيسبانو وبوجاتي وماتر
وشانتيه نافال دو لستوريل وسنترا الكتيل وسوبليم وجيفاس)، وإيطالية (مثل هايتهيد
وكانتري نافالي وديفيس إي سبازيو ريونيتي)، ويونانية (مثل هيلينيك إيرو سبايس
وهلنيك أرمز)، وبريطانية (مثل دوتي إيروسبايس ديفنيس وراكال تاكتيوم ورايخيم
وسيكيورتي رستش وكولوم ديتورنرز ولايزرجايج)، وبلجيكية (مثل أسيك)، وكندية (مثل
آيفيايشن ايلتريك ودي هافيلاند ايركرافت وسي أي إي ايلكترونيكس)، والمانية (مثل
سيكيوتري تيمان)، ومصرية (مثل الشركة المصرية العربية للسيارات ومصنع صقر للصناعات
المتطورة).. وهو ما يعني وجود وكلاء مصريين بعدد الشركات الأجنبية علي الأقل..
ولابد أن العدد زاد فيما بعد. وعرضت في أجنحة المعرض ومناطقه المفتوحة أحدث م
أنتجته هذه الشركات من مدرعات ومدافع وطائرات وأجهزة اتصالات في بازار يثير الرعب
من التطور المذهل في معدات القتل الشرعي في الحروب. وكانت فلسفة أبو غزالة من وراء
المعرض أن تصنع مصر العديد من القطع العسكرية لتصدرها إلي الدول الإفريقية.. لكنه..
فيما بعد.. تورط في قضية تهريب نوع من الكربون يستخدم في إنتاج صواريخ أمريكية..
وقبض علي الشخص المكلف بهذه المهمة عبد القادر حلمي.. واستخدمت هذه القضية في
الإطاحة بأبو غزالة.. فتوقفت مشروعاته.. وانتهت طموحاته قبل أن تنتهي حياته بسرطان
شرس بد بالفك. لكن.. أبو غزالة لم يتردد في بيع أسلحة مصرية للمقاومة الأفغانية ضد
الاحتلال السوفيتي.. بتمويل سعودي.. وتخطيط أمريكي.. وبموافقة من مبارك.. وهو ما
تكرر مع العراق في حربها ضد إيران.. وهنا دخلت الدولة مباشرة في تجارة السلاح.. فمن
كان الوسطاء ؟.. ومن حصل علي العمولة ؟.. وهل كان للكبار نصيب فيها؟ إن الأرقام
تتحدث عن عشرين مليار دولار.. لا تقل عمولتها عن ملياري دولار.. وهو مبلغ كبير
بحسابات ثمانينيات القرن الماضي.. ولا شك أنه كان خميرة لثروات أخري تزاحمت وتراكمت
فيما بعد. وقبل أن يتولي وزارة الدفاع كان أبو غزالة مسئولا عن المكتب العسكري في
واشنطن وقت أن كان منير ثابت (شقيق زوجة مبارك وتلميذه في سلاح الطيران وقائد أسراب
الهيلكوبتر فيما قبل) مسئولا عن مكتب مشتريات السلاح هناك.. ويعمل حسين سالم تحت
يده.. في وظيفة إدارية.. وهي علاقات ستقوي فيما بعد وتكشف عن أمور في تكوين ثروة
مبارك وعائلته يصعب تصديقها.. وربما تبرر الأرقام الكبيرة التي ذكرت ونشرت. ورغم
منصبه الرفيع في واشنطن.. فإن أبو غزالة لم يتردد في شراء أسلحة الصيد وطلقات
الخرطوش لعائلة السادات وهو ما قربه منه.. واشتهر بالترحيب الزائد وكرم الضيافة ــ
من سهرات ومشتروات ــ لكل المسئولين الذين يزورون العاصمة الأمريكية. وكان صديقه
المقرب هو اللواء السابق صفي الدين سليمان الذي كان من رجال المشير عبدالحكيم عامر
وقد استأذن جمال عبدالناصر في السفر إلي الكويت، لكنه أكمل رحلته إلي الولايات
المتحدة ليدرس هناك علم الكومبيوتر، وكان لا يزال علما ناشئا.. وباتصالاته القوية
بأصحاب النفوذ في القاهرة دعم ترشيح أبو غزالة لوزارة الدفاع. وخلال تلك الفترة كان
مبارك يسافر بتكليف من السادات إلي واشنطن في مهام متتالية.. وكانت هذه الزيارات
فرصة ليتقرب منه أبو غزالة وحسين سالم.. وسهل ذلك ايض وجود منير ثابت.. وبعد حادث
سقوط طائرة المشير أحمد بدوي كانت علاقات أبو غزالة بكل هذه الشخصيات كفيلة بحصوله
علي منصب وزير الدفاع. لكن.. ثقافة أبو غزالة السياسية وشخصيته القيادية أشعرت
مبارك بالقلق منه.. وتضاعف هذا القلق بعد نزول الجيش في أحداث تمرد الأمن المركزي
وترحيب الشعب به.. فكان لابد من التخلص منه.. وقد كان.
6
صدر عن معرض
القاهرة العسكري دليل مطبوع باللغتين العربية والإنجليزية تولت نشره شركة "ديفنيس
أند فورين افيرز ديلي" الأمريكية.. وتصدره خطاب مفتوح من شخص سنعرف فيما بعد أنه
واحد من أكبر وكلاء السلاح في مصر هو كامل عبدالفتاح.. وجه فيه الشكر لمنظمي المعرض
والمشاركين فيه.. واعتبره فرصة"ليست فقط لمجرد الاطلاع علي معدات جديدة ولا حتي
استيراد أحدث ما وصلت إليه تكنولوجي العصر.. بل أنظر إليها كفرصة لتبادل الفكر"..
وأضاف : إن "اللقاء بين أقدم الحضارات في التاريخ وأكثر الدول تقدم في منطقة الشرق
الأوسط وهي مصر وبين أحدث ما وصل إليه التقدم التكنولوجي في الغرب لابد أن يكون
مثمرا لكل الأطراف". كان كامل عبد الفتاح وكيلا لشركة أر سي إيه وهي شركة أمريكية
تقع في نيو جيرسي وهي من كبري الشركات المتخصصة في تطور النظم الإلكترونية وصنعها..
ومنها نظم الدفاع الجوي.. ونظم سيطرة القيادة.. ونظم الاتصالات.. ونظم مراقبة
المرور الجوي.. ونظم التشويش علي الرادارات.. وهي معلومات دونت في صفحة أربعين من
دليل معرض القاهرة العسكري، جميع التوكيلات المصرية لشركات السلاح الأمريكية التي
تتعامل طبقا لقوانين المعونة العسكرية (1400 مليون دولار سنويا منذ عام 1979) ل يحق
لها الحصول علي عمولة.. لكنها.. تحصل علي مكافأة تقترب من نسبة العمولة وهي من خمسة
إلي عشرة في المائة. وقد اصيب كامل عبد الفتاح في آخر أيامه بسرطان في الأمعاء ودخل
مستشفي برنيسل كريس (أغلي مستشفي في لندن) ليعالج منه.. لكن.. بعد تدهور حالته نقل
إلي بيته في العجمي ليكون أصدقاؤه وابنته شيرين قريبة منه. واشيع أنه أحب وتزوج من
نجمة سينمائية مشهورة لكنه طلبت الطلاق خوفا علي فقدان معجبيها.. لكنها.. عندم عرفت
بمرضه سعت للزواج منه.. لكن عائلته وقفت له بالمرصاد. وبجانب كامل عبد الفتاح حصل
بعض من جيله علي توكيلات أخري.. مثل اللواء حسام سويلم الذي تخصص في نماذج تدريب
الطيارين.. وصبحي الطويل وكيل ماركوني.. وعبد الخالق مطاوع.. وكان رئيس اتحاد
البريدج.. وزوج والدة زهير جرانة المعروفة باسم بوسي بعد أن طلقها زوجه وحيد
جرانة.
7
في السبعينيات ساهم كامل عبدالفتاح في تأسيس شركة "ايتسكو" (الشركة
المصرية الأمريكية للنقل) مع أبو غزالة ومنير ثابت وكمال حسن علي.. وربما سوزان
مبارك أيضا علي حد ما ذكر موقع "أرب ريترز".. وإن كان ذلك صحيحا.. فلابد أنها توارت
وراء حصة شقيقها.. والأهم منهم جميعا.. حسين سالم الذي كان المدير المسئول عن
الشركة. كانت الشركة تنقل السلاح من الولايات المتحدة إلي مصر مخالفة بذلك قانون
المعونة الأمريكية الذي يفرض أن تكون شركات النقل أمريكية أيضا.. لكن.. السر في
السماح لشركة ايتسكو بنقل السلاح الأمريكي أحيانا أنها استخدمت في عمليات قذرة
لوكالة المخابرات المركزية. فطبقا لأقوال ضابط المخابرات الأمريكي الأسبق إدوين
ويلسون.. فإن هناك شركاء سريين في ايتسكو تورطوا في فضيحة إيران كونترا.. منهم
إدوين ويلسون وتيودر شاكي صديق وزميل جورج بوش الأب في المخابرات المركزية وكانت
نسبتهما في الشركة (49 %)، واعترف بذلك ضابطا المخابرات ريتشارد سيكورد وتوماس
كلاينز.. أما نائب مدير هيئة المعونة العسكرية في البنتاجون أريك فون ماربود.. فهو
الذي ضغط لحصول أيتسكو علي عقود مع البنتاجون بما يمثل تعارض صريحا للمصالح.. وفيما
بعد اتهمت الشركة بتحميل الحكومة الأمريكية نفقات إضافية وصلت إلي ثمانية ملايين
دولار.. واستخدم المبلغ في تمويل عمليات سرية لمتمردي الكونترا. وأصبح حسين سالم
مطلوبا في قضية فجرتها الإدارة الأمريكية بعد أسابيع قليلة من تولي مبارك السلطة..
ونشرت تفاصيلها صحيفة "واشنطن بوست".. وطورد حسين سالم ليمثل أمام محكمة أمريكية ..
وتدخل باقي شركائه من عائلة مبارك وخارجها في إنقاذه بدفع غرامة مالية وصلت إلي 16
مليون دولار. وكان لافتاً للنظر ارتباط مبارك به رغم أن ذلك يسيء إلي سمعته
السياسية.. لكن.. المصالح المالية كانت علي ما يبدو أهم.. طبقا لقاعدة «أطعم الفم
تستحي العين».. وهي قاعدة تنطبق علي الكبار قبل الصغار. وخوفا من أن تنتقل الفضيحة
من الخارج إلي الداخل طلب مبارك فيما بعد من زعيم المعارضة البرلمانية المستشار
ممتاز نصار أن يتدخل لمنع استجواب النائب الوفدي علوي حافظ عنها.. ولم يكن ذلك سوي
حماية لرجل لم نسمع عنه وقتها.. هو حسين سالم الذي سيصبح فيما بعد مندوب الثروة
لمبارك وعائلته. وما أثار تعليقات الصحافة الأمريكية وجود حسين سالم في جميع
المؤتمرات واللقاءات التي حضرها رؤساء الولايات المتحدة (مثل كلينتون وبوش) في شرم
الشيخ.. فقد لفت نظرهم أن رجلا كان مطلوبا للعدالة هناك يستقبل رموز الحكم في
العالم. وحسين سالم بدأ حياته موظفا إداريا في سفارة مصر في العراق وقت أن كان
مسئولا عنها أمين هويدي.. ولبراعته في التقرب من الكبار نقله أمين هويدي معه في كل
مكان تولاه بما في ذلك المخابرات العامة التي أشرف عليه بعد هزيمة يونيو.. واستثناه
رغم" الحول" الذي في عينه من شروط اللياقة البدنية. وفي الإمارات حيث خدم لبعض
الوقت حدث أمر ما جعل السلطات هناك تقبض عليه وتضعه في السجن.. لكن.. صديقه علي
الشرفة رئيس الديوان السابق للحاكم نجح في إخراجه للنور من جديد.. وفيما بعد اشتري
منه قصره في شارع العروبة بحي مصر الجديدة. واللافت للنظر أن الإمارت كانت الدولة
التي هرب إليه بطائرته الخاصة في الوقت المناسب قبل مظاهرات 25 يناير.. وكان معه
مبالغ سائلة تقدر بملايين الدولارات.. طار بها إلي سويسرا.. ومنها إلي إسبانيا التي
يحمل هو وعائلته جنسيته ليستقر فيها.. دون أن نعرف.. هل يعيد لمبارك نصيبه في
الثروة الهائلة التي جمعها بمساعدته ــ من السلاح وغير السلاح ــ أم أنه سيتنصل منه
ويتنكر له بعد أن فقد سلطته وسلطانه؟
8
لم تكن فضيحة أيتسكو هي الفضيحة
الوحيدة لتوكيلات السلاح في مصر.. كانت هناك فضيحة أخري كشفت في بداية التسعينات..
بطلتها عضو سابق في مجلس الشعب.. اتهمتها الجهات الأمريكية المختصة بأنه حصلت علي
صفقة عبارة عن ثلاث طائرات نقل حربية (سي ــ 130) من طراز هركليز قيمتها 20 مليون
دولار عبر مكتب زوجها.. وبحكم نفوذها السياسي.. وهو ما تحرمه وتجرمه قوانين
المنافسة الأمريكية. وفشلت تلك السيدة التي تعد واحدة من رموز المجتمع السياسي
والثقافي في إثبات أن عضو مجلس الشعب ل يتمتع بأي نفوذ يؤهله للحصول علي مثل هذه
الصفقات.. ووجدت الشركة البائعة لوكهيد نفسها في ورطة.. اضطرت معها أن تعترف
بالجريمة.. وتدفع الغرامة المطلوبة.. كي ل تتوقف معاملاتها مع الحكومة الأمريكية..
وهي معاملات تقدر بالمليارات.. سنويا.
9
ويكشف دليل معرض القاهرة العسكري
أيضا عن وكيل سلاح آخر في مصر هو محمد نصير.. صاحب شركة ألكان القابضة.. وكانت
شركات السلاح التي يتعامل معها فرنسية متخصصة في تسليح وتجهيز الطائرات.. وإنتاج
حاملات القنابل.. وطائرات نقل المؤن.. وغيرها.. ونشر الدليل إعلان باللغة
الإنجليزية يتضمن هذه المعلومات. وبجانب توكيلات السلاح تتنوع مجالات استثمارات
محمد نصير.. مصانع.. اتصالات.. سياحة.. طيران.. تمويل عقاري.. تجارة وتوزيع.. وقد
وصلت ثروته في عام 1998 إلي 300 مليون دولار طبقا لتقديرات مجلة فوربس.. فقد كان
النجاح علي حد قوله "هو أجمل متع حياته".. ويضيف: "إنني فور أن أتأكد من نجاح مشروع
من مشروعاتي أقوم ببيعه علي الفور كي أبدأ مشروعا جديدا". وبعد أن عرفت مصر
التليفون المحمول تقدم لنيل الامتياز الثاني له وفاز في المزايدة ــ علي منافسه
نجيب ساويرس باسم كليك التي باعها لشركة فودافون العالمية فيما بعد.. لكنه.. لم
يتردد في بيع أسهمه في هذه الشركة ليبحث عن مشروع آخر يقتنصه. وسبق أن اشتري شركة
بيبسي كولا المصرية هو وشريك سعودي بسعر ضئيل مقارنة بما كانت تملك من أصول : 8
مصانع و18 خط إنتاج ومئات من لوريات التوزيع ومساحات هائلة من المخازن.. كل ذلك بما
لا يزيد علي 155 مليون جنيه.. (بيع 77 %) منها لشركة بيبسي كولا العالمية بنحو 400
مليون دولار.. فزادت نسبتها إلي (79%) طبقا لما نشرته إيجبشن جازيت.. وكانت هذه
العملية أول عملية خصخصة لشركة حكومية في عصر مبارك تثير جدلا واسعا في الصحف. وبني
محمد نصير مباني قريبة من منطقة القلعة مقابل بناء مركز مالي يقدم هدية للحكومة..
ولكن هيئة الآثار وجدت أن ارتفاعات المباني يشوه المكان التاريخي المتميز فقررت
إيقاف المشروع.. فما كان منه إلا أن انفق عشرة ملايين جنيه علي مهرجان القاهرة
السينمائي لعل ذلك يشفع له في مواصلة المشروع. وطبقا لسيرته الذاتية.. تزوج من ابنه
عبد اللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة ثورة يوليو.. وانجب منها ولد وبنتا.. ثم تزوج
من غيرها فيما بعد.. وارتبط بالمخابرات العامة.. وتقرب من مبارك.. وبعد ثلاثة شهور
من العلاج في فرنسا وألمانيا توفي عن عمر 73 سنة في 22 مايو 2009. ومنذ اللحظة
الأولي أبعد محمد نصير ابنه خالد عن عالم السلاح تجنبا لمتاعب لا يحتملها.. وترك
مسئولية هذ النشاط في شركته إلي شخص آخر يدعي سيف فهمي.. وسيف فهمي كان متزوجا من
مصممة ديكور معروفة اسمه مني حسين، ثم طلقها بعد ان ترك لها فيللا في القطامية
هايتس.. وهو شقيق شهيرة فهمي التي تزوجت من طارق ابن عمر الشريف.. لكن.. علي ما
يبدو فإن مشاكله الخاصة اضطرته للابتعاد عن محمد نصير.. وإن واصل العمل في توكيلات
السلاح بعد ذلك.. خاصة عندما ظهر حسين فهمي (عمره 55 سنة ويعرف باسم سينكو وهو غير
النجم حسين فهمي) كاتم أسرار محمد نصير الذي اصبح رجل السلاح الاول في شركته. لكن..
قبل ذلك كله فإن محمد نصير هو التلميذ النجيب لرشدي صبحي.. الرجل الذي بدونه لا
يمكن الكتابة عن تجار السلاح في مصر.
10
رشدي صبحي أكبر تاجر سلاح عرفته
منطقة الشرق الأوسط وأكثرهم تواضعا وحبا لمن حوله.. خاصة أصدقاءه الذين لم يتردد
يوما في مساعدتهم في تكوين ثرواتهم.. ومنهم سامي سعد ورؤوف غالي وأمين فخري عبد
النور ومكرم كمال عثمان ومحمد نصير بالطبع. في خمسينيات القرن الماضي بدأ رشدي صبحي
حياته العملية موظفا حكوميا.. لكنه سرعان ما تمرد علي الوظيفة "الميري" واحترف
التجارة في سلع وخدمات متنوعة لم يكن من بينها السلاح في ذلك الوقت.. فالسلاح منذ
الصفقة العسكرية الأولي التي عقدت مع الاتحاد السوفيتي بغطاء تشيكوسلوفاكي عام 1955
أصبح بعيدا عن الأفراد.. واستمر السلاح تحت السيطرة الحكومية طوال فترة الإمدادات
السوفيتية.. ولم يعرف توكيلات الأفراد والشركات الخاصة إلا بعد أن اصبح التسليح
أمريكيا. لكن.. هذه القاعدة لم تخل من الاستثناء.. فكثيرا ما كانت الحكومة المصرية
تلجأ إلي شركات غربية للحصول علي معدات وآليات لا توفرها التكنولوجيا الروسية.. ومن
ثم قبلت بوجود وسطاء وسماسرة.. وكان أول من خرق تلك القاعدة رشدي صبحي. لم تكن
مسيرته العملية علي ما يبدو سهلة.. فقد أفلس ثلاث مرات في حياته.. لكنه.. نجح في
استرداد ما فقد خاصة بعد أن ترك البلاد وعاش في لندن وبدأ في تجارة السلاح. في
أوائل ستينيات القرن الماضي كشف رشدي صبحي عن أعماله الخفية عندما باع للجيش المصري
أتوبيسات وسيارات مرسيدس. وفي ذلك الوقت تقريبا أنشا شركة هابي تورز للسياحة لتكون
غطاء لسفرياته المتعددة والمستقبلية.. وكان شركاؤه فيها مكرم كمال عثمان ومحمد
محمود نصير وأمين فخري عبد النور.. قبل نهاية القرن الماضي.. في عام 1999 تحولت
الشركة المحدودة إلي شركة مساهمة برأسمال 150 مليون جنيه.. مدفوع منه 15 مليون
جنيه.. وفي عام 2002 زاد رأس المال المدفوع إلي 20 مليون جنيه.. ورصد السجل التجاري
للشركة (ويحمل رقم 109425) هذه التغيرات. كان المدير المسئول عن الشركة هو أمين
فخري عبد النور، أما أعضاء مجلس الإدارة فكانوا رشدي صبحي ومحمد سمير حلاوة وبطرس
بطرس غالي. في ذلك الوقت أيضا قويت الصلات بين محمد نصير ورشدي صبحي الذي ساعده
ليكون وكيلا لبعض شركات السلاح.. وتكوين أولي شركاته.. شركة جيزة سيستم
للتكنولوجيا.. وكان محمد نصير قد بدأ نشاطه الخارجي بالعمل مع رجل الأعمال اليوناني
لتسيس المنافس القوي للمليونير الشهير أوناسيس.
11
عندما وصل أنور السادات
إلي السلطة تضاعف دور رشدي صبحي.. فقد أهدي المصري الثري للرئيس الجديد مجموعة من
سيارات المرسيدس المصفحة استخدمها في تنقلاته وتنقلات ضيوفه من كبار الشخصيات
الأجنبية. لكن.. المساندة القوية التي قدمها رشدي صبحي إلي أنور السادات كانت بعد
مظاهرات الطعام (18 و19 يناير 1977) التي هزت أركان حكمه واصابته باضطراب نفسي
حاد.. في ذلك الوقت طلبت مصر من البنك الدولي قرضا عاجل لتجاوز الأزمة.. فاشترط
البنك الدولي ضمانا للقرض من عثمان أحمد عثمان أو رشدي صبحي.. فلم يتردد رشدي صبحي
في تقديم ما هو مطلوب.. وكان لابد من مكافأته. وافق أنور السادات علي منحه مشروع
هضبة الأهرام لبناء منتجعات سياحية بالقرب من أهم منطقة أثرية.. وهو م أثار استياء
المثقفين المصريين فشنوا حملة مضادة للمشروع قادتها الدكتورة نعمات أحمد فؤاد..
وانتهت بالتراجع عن المشروع.. ولم يقبل رشدي صبحي تعويضا عن ما أنفق عليه. أما
المكافأة البديلة التي حصل عليها فكانت امتياز التصرف في أرض المقطم والمنتزه..
وأسس شركتين.. الشركة الأولي لتوزيع فيلات وكبائن المنتزه.. بجانب السماح لها بفتح
نواد للقمار في فنادق خمس نجوم.. والشركة الثانية لتقسيم وبيع أرض المقطم.. ومقابل
قروش زهيدة دفعت في المتر المربع بيع بجنيهات عديدة.. وكسب رشدي صبحي ملايين
الدولارات في أيام معدودة. وحدث أن تواجد رشدي صبحي في حفل حضره السفير المصري هناك
سميح أنور.. ولاحظ رشدي صبحي أن السفير جاء بسيارة مرسيدس ــ 230 بينما هو جاء
بسيارة مرسيدس ــ 600 لا تصنع إلا للرؤساء والأمراء والشخصيات الدينية المهمة مثل
بابا الفاتيكان.. فقال رشدي صبحي للسفير :"لا يرضيني أن تكون سيارة سفير بلادي أقل
من سيارتي".. وقرر التبرع بها.. لكن.. السفير رفض قبول الهدية لشخصه.. واستأذن في
أن تكون هدية رسمية للسفارة.. وعندما وصل الأمر إلي أنور السادات قال :"م دامت من
رشدي صبحي.. خذوها.. فهو شخص محترم".
12
ومن الرجال الذين انتموا لهابي
تورز وساعدهم رشدي صبحي كان أيضا مكرم كمال عثمان.. وعمره 89 سنة.. فقد سانده في
الحصول علي المقاولة العمومية الأولي لمشروع مترو الأنفاق.. وساعده بعلاقاته في أن
يحصل ابنه علي موقع متميز في شارع العروبة لإقامة محطة بنزين (موبيل) هناك. وبجانب
المقاولات يعمل مكرم عثمان في توريد أنواع من السلاح والمعدات العسكرية. ومن
المقربين أيضا من رشدي صبحي رجل الأعمال الشهير سامي سعد وهو صديق وفي له.. ولم يكن
رشدي صبحي يتوقف عن الكلام عنه والإعجاب به.. ويقول :"إنه اشتري سيارة كبيرة لينام
فيها وهو يتنقل بين مواقع مشروعات المقاولات التي ينفذها (ومنها مطار الغردقة) حتي
لا يضيع ساعات النوم بعيدا عن العمل".. وأغلب الظن أن رشدي صبحي كان وراء حصوله علي
توكيل سيارات مرسيدس. وكانت شلة رشدي صبحي تبتسم عندما تسمع الجميع يتساءلون عن سر
فضيحة المرسيدس والعمولات التي دفعت فيها وحصل عليها مسئولون مجهولون جري التستر
عليهم.. فالسر كله عند رشدي صبحي.. لكن.. السر مات يوم مات رشدي صبحي في يوم 8
يناير الماضي.. ولم ينشر عزاء له سوي خالد نصير
13
وتزوج رشدي صبحي مرة
واحدة في حياته من سيدة كانت متزوجة من رجل مسلم انجبت منه شهير الزيادي الذي يعرفه
الجميع بأنه الشقيق الثالث لكريم ودينا رشدي صبحي من نفس الأم. وشهير الزيادي هو
الصديق المقرب لطارق نور وفاتن حمامة وزوجها الدكتور محمد عبدالوهاب.. وكان هؤلاء
ضيوفا دائمين علي يخت شهير الزيادي.. وقيل إنه لم يكن يمتلكه وإنما يستأجره في شهر
أغسطس ليتجول به وبأصحابه في موانئ البحر المتوسط.. وربما كانت هذه العلاقة سببا في
القول بأن رشدي صبحي ساعد طارق نور في الحصول علي توكيلات إعلانية. وعندما تزوجت
دينا ابنة رشدي صبحي من عادل نصيف.. حرص والدها علي أن يكون الحفل الذي أقيم في
فيلته بلندن بسيطا مقارنة بما يملك.. والفيللا سبق أن شاهدها المصريون في إعلان "سر
شويبس" التي كان ينفذه طارق نور للمشروب الغازي الذي ينتجه سامي سعد.. وفي الإعلان
يسقط حسن عابدين في حمام سباحة الفيللا. علي باب الفيللا وقف لاستقبال المدعوين
للفرح سامي سعد وأشرف مروان وكمال أدهم وسمير رؤوف.. وكانت هدايا "المعازيم" أظرف
داخلها شيكات باسم العروس تتراوح قيمتها ما بين 250 و500 ألف دولار. وكما أنشأ رشدي
صبحي شركة سياحة لتغطية سفرياته أنشأ بنكا لتغطية أعماله.. سدد بمفرده رأسماله (500
مليون دولار) بالكامل.. وترك إدارته لسيدة اسمها زينب.. كانت ذراعه اليمني.. ولم
يعرف أحد بهذا البنك الموجود في إحدي جزر الكاريبي إلا عندما منح زوج ابنته عادل
نصيف قرضا للإتجار في السكر.. لكنه.. لم ينجح.. فاهتز البنك.. وأصبحت سيرته علي كل
لسان. ومن أصدقاء رشدي صبحي كذلك صبحي غالي.. رجل الأعمال الوحيد الذي كان يمتلك
سيارة رولز رويس (ملاكي إسكندرية رقم 700) أيام جمال عبد الناصر.. وفي بداية م سمي
بالانفتاح الاقتصادي سارع بتكوين شركات متنوعة.. لكنها تأثرت بحالته الصحية التي
بدأت في التدهور.. فساعده رشدي صبحي ــ دون أن يشعره بالحرج ــ بأن اشتري منه
شركتين.. شركة بريسكو.. وشركة بيرجر.. وكانت الشركة الأولي تنتج الكاتشب وتعرضت
لخسائر بعد أن جاء المنافس الأجنبي.. وكانت الشركة الثانية تمتلك سلسلة محلات
للهامبرجر تعرضت هي الأخري للخسارة بعد أن جاء ماكدونالدز وماك بيرجر وغيرهما..
اشتري صبحي الشركتين لابنه كريم ليديرهما بدون مساعدته.. نوعا من اختبار قدرته علي
تحمل المسئولية وموهبته في التعامل مع الشركات المتعثرة.
14
في القاهرة
كانت شلة رشدي صبحي تسهر في ملهي البلفيدير بالدور الأخير من فندق هيلتون النيل..
وتنفق أكثر من غيرها.. في وقت كانت فيه الناصرية علي أشدها.. وهو ما جعلهم يحظون
بلقب "لوردات الاشتراكية". أما شلته في لندن فكان أبرزها أشرف مروان وسمير رؤوف
الذي كان يعير سيارته الرولز رويس إلي جيهان السادات خلال زيارتها للندن وهو يملك
شركة لترميم البيوت الأثرية دون العبث بطابعها. وفي بداية التسعينيات ساعد سمير
رؤوف بناته علي تكوين شركاتهن الخاصة ليواصلن الحياة المترفة التي يهواها.. فهو
سكندري الأصل.. يمتلك فيلا في منطقة رشدي تقع علي أربع نواصي.. وحاول أكثر من محافظ
اتهامه بالتعدي علي حديقة عامة داخل الفيلا.. لكنهم لم يصلوا إلي شيء.. وكان قد
اقام في هذه الحديقة ملهي خاصاً يسهر فيه هو وأصدقاؤه. أما أشرف مروان ــ المعروف
عنه الكثير خاصة بعد تورطه في العمالة للمخابرات الإسرائيلية ــ فقد ابتعد عنه رشدي
صبحي بعد أن اتحد مع رجل الأعمال البريطاني تيني رولاند ضد محمد الفايد.. وكان تيني
رولاند قد جمع ثروته الأولي من مناجم أفريقيا في سنوات التفرقة العنصرية.. وبعد أن
عاد إلي بلاده دخل في حرب شرسة ضد محمد الفايد علي شراء متاجر هارودز.. وكان سببا
مباشرا في حرمان الملياردير المصري المهاجر من الجنسية البريطانية التي لم ينلها
حتي الآن.
15
ويعد تيني رولاند واحد من جماعة الأقوياء الذين يطلق عليهم
"لو سيكري" أو الدائرة باللغة الفرنسية.. وهي مجموعة شديدة الثراء.. قادرة علي
التأثير في قررات السياسة الدولية.. بما في ذلك اختيار الحكام.. وأمين عام الأمم
المتحدة.. ورئيسي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.. وغيرهم. كشف النقاب عن هذه
المجموعة أول مرة عام 1975 وعرفت وقتها بدائرة بينه.. وزير خارجية فرنسا وقتها الذي
تحالف سرا مع رجال الثروة كي يسيطر علي رجال السلطة.. ونشر أكثر من مرة أن وكالة
المخابرات المركزية الأمريكية تمول أنشطة الدائرة وتسيطر علي توجهاتها. وفي أحد
محاضر "لو سيكري" وصف تيني رولاند صديقه اشرف مروان باسم "دكتور ديث".. أو "دكتور
موت" لأنه حسب ما نشر كان يدير غرف للتعذيب في الفترة ما بين 1971 و1978 عندما كان
سكرتيرا للرئيس أنور السادات. وقد تولي أشرف مروان مهمة إنشاء الهيئة العربية
للتصنيع كي تنتج المعدات والأسلحة العسكرية بمشاركة بين مصر وبعض الدول العربية..
وساعدته هذه الهيئة بجانب نفوذه السياسي علي أن ينفرد بكثير من صفقات السلاح التي
نفذها لصالح دول عربية مختلفة.. وكانت بداية خميرة ثروته الهائلة. وكانت بداية
علاقته بتجارة السلاح عندما نفذ صفقة طائرات الميراج التي اشترتها ليبيا من مصانع
داسو الفرنسية لتقدم بعضها إلي مصر قبل حرب أكتوبر ولتحتفظ لنفسه بالبعض الآخر. ولم
تكن هذه الصفقة هي صفقة السلاح الأخيرة التي توسط فيها لليبيا هو وصديقه تيني
رولاند.. فقد انتهت علاقتهما بالقذافي وقذاف الدم إلي العديد من الصفقات العسكرية
التي كسبا من ورائها ملايين الملايين.. وكان يشاركهما أحيانا عدنان خاشقجي.
16
وهناك تاجر سلاح آخر يرتبط اسمه بأشرف مروان هو رمزي دلول ويمتلك شركة تسمي
"أرمي" في لبنان.. وعمره الآن 75 سنة.. وكان وراء أول صفقة طائرات ميراج للعراق
وافق عليها نائب الرئيس صدام حسين عام 1991، عندم قرر كسر احتكار السلاح السوفيتي..
وبلغت قيمة الصفقة 400 مليون دولار كانت عمولة رمزي دلول منها 20 مليون دولار.. وقد
غضب صدام حسين منه بعد أن عرف بأمر العمولة، فقد كان يغدق عليه المال دون صفقات..
وبعد طرده من العراق لجا إلي ليبيا. في يناير 1989 نشرت صحيفة واشنطن بوست أنه شريك
في مصنع لإنتاج السلاح الكيماوي في ليبيا، لكن الصحيفة سرعان ما اعتذرت له بعد أن
فشلت في تقديم دليل علي صحة ما قالت. وكان ظهوره اسمه آخر مرة في 29 يناير 2007 بعد
مقتل أشرف مروان.. عندما أكد أنه كان يعمل معه لمدة 15 سنة.. ووصفه بأنه كان "رجل
طيب ومتدين لا يشرب الخمر". وهناك من يقول إن أشرف مروان قد قتل لكشفه صفقة اليمامة
التي باعت فيها بريطانيا طائرات عسكرية للسعودية واتهم مارك ابن رئيسة الحكومة
السابقة مارجريت تاتشر بأخذ العمولة هو والأمير بندر بن سلطان والأمير طارق بن ناصر
بن عبد العزيز.. وكان كشف اشرف مروان للصفقة أنه أراد أن تذهب إلي ميراج التي يرتبط
بها منذ زمن بعيد.
17
ومن وكلاء السلاح في مصر شفيق جبر.. وهو شخص موهوب في
العلاقات العامة والاتصالات الشخصية والسياسية.. العربية والأمريكية.. وبجانب شركة
ارتك القابضة للاستثمار والتنمية التي يديرها في المقطم ينشر مجلات اجتماعية باللغة
الإنجليزية للطبقات الثرية.. كم أنه يقدم نفسه كما لو كان مفكرا استراتيجيا من خلال
منتديات يشرف عليها.. ويدعو إليها شخصيات مؤثرة هن وهناك يسعي جاهدا للارتباط بها..
مثل رئيس الحكومة السابق أحمد نظيف.. بجانب رموز بارزة في لجنة السياسيات ــ التي
يفخر بوجوده فيها ــ علي رأسها جمال مبارك نفسه.. وسبق أن تولي رئاسة غرفة التجارة
الأمريكية.. وكان من مؤسسي المركز المصري للدراسات الاقتصادية مع جمال مبارك
وإبراهيم كامل.. وفي هذ المركز ولدت فكرة التوريث.. كما أنه عضو في منظمة تدعو إلي
السلام في الشرق الأوسط. ولا شك أن صلته بالسلطة السياسية أتاحت له الحصول علي
مشروعات بي أو تي في الغاز والشحن.. لكن.. توكيلات السلاح التي يديرها تعمل في
الطائرات وأجهزة الاتصالات والسيارات العسكرية. وهو يتميز بقدرته الفائقة علي
مجاملة الشخصيات المهمة كي يكون قريبا منها.. ويروي محمد العبار رئيس شركة إعمار
:"أنه كان يأتي بطائرة خاصة كي يزور والدته في دبي ولو كانت مريضة بالزكام".. ويضف
:"إنه أوحي لي بصلته القوية بمبارك وعائلته".. ويبدو أن هذ الإيحاء كان سببا مباشرا
في إدخاله شريكا في إعمار مصر.. لكن.. يبدو ايضا أن ما كان يوحي به لم يكن صحيحا..
ومن ثم دب الخلاف بينه وبين شركائه في الإمارات.. وترتب علي ذلك خروج من الشركة
فائز بمليار جنيه دون أن يدفع سوي القليل.. علي أنه اعترض علي دفع ضرائب علي المبلغ
الذي قبضه.. وأغلب الظن أنه يريد استرداده الآن بقضية عاجلة يرفعها أمام المحاكم ضد
الحكومة. ويروي وزير سابق: إنه كان يزور رجل أعمال سعودي في الرياض لحثه علي نقل
جزء من استثماراته إلي مصر.. وفي وسط المباحثات تلقي تليفونا من شفيق جبر يهنئه فيه
بحفيد جاءت به ابنته التي كانت في المستشفي تنتظر الوضع.. وتعجب الرجل كيف عرف شفيق
جبر وهو في القاهرة بخبر يخصه وهو قريب منه في الرياض ؟ ومن وكلاء السلاح في مصر
أيضا عبد الحيلم عاصم.. الشهير بحليم عاصم.. وهو متخصص في استيراد أنظمة الدفاع
الجوي. ومنهم أيضا أيمن عثمان.. وابنته متزوجة من ابن يحيي الجمال.. الشقيق الثالث
للأخوين محمود ومنصور الجمال.. ويسكن في القطامية. ومنهم كذلك سمير همام المقيم
بأمريكا.. ولا نعرف أكثر من اسمه. ومهما كانت هذه المعلومات ــ من أول سطر إلي آخر
سطر ــ غير معروفة، فإنها لا تمثل سوي قطرة في بحر مما يجب أن يعرف.. فلن نعرف
حقيقة الثروات في مصر ــ خاصة ثروة مبارك وعائلته ــ ما لم نعرف كل المعلومات..
والصفقات.. والعلاقات.. والتحالفات
0 التعليقات:
إرسال تعليق