إنها «لعنة» العائلة ومحنة السلطة عندما تصل إلى ذروتها.. إنه المصير الذي ينتظر
صاحبه ليخرج من دائرة الإحياء.. إنها قصة حاكت خيوطَها ملكةٌ طائشة تجاه ابنتها
الأميرة، لتشهد على مقتلها برصاصات زوجها المخمور الذي أنهى حياتها.. هو الرجل ذاته
الذي أحبّتْه الأميرة فتحية وباعت من أجله السلطة في مصر.. قصة أميرة تغاضت عن
نداءات أخيها الملك فاروق بالرجوع إلى كنفه وكنف عرشه وفضّلت الارتماء بين أحضان
أمها نازلي ثم حبيبها وزوجها رياض غالي، الرجل المدمن على المخدرات والهيروين
والمشعوذين الذين ابتليت بهم الملكة نازلي كذلك... إنها قصة حقيقية للأميرة فتحية،
شقيقة الملك فاروق، آخر ملوك مصر العتيدة..
رحلة العلاج
في أواخر يونيو من العام 1946، قررت الملكة نازلي السفر إلى أوربا، بحجة العلاج والراحة النفسية، مصطحبة معها ابنتيها الأميرة فايقة والأميرة فتحية على ظهر باخرة ملكية أبحرت في اتجاه موانئ مارسيليا، المحطة الأولى لها.. كانت شواطئ مارسيليا أجملَ موانيء فرنسا وكانت الأميرة فتحية تغرق في الضحك، يملؤها الفرح والسرور لتلك الرحلة ورؤية ما لم تره من قبل.. فسرعان ما وصل الخبر إلى قنصلية مصر في مارسيليا، التي قررت انتداب أمين المحفوظات (الموظف البسيط في القنصلية) رياض غالي ليساعد الملكة والأميرات على تسهيل سفرهن إلى سويسرا وإقامتهن تلك الليلة في أحد فنادق مارسيليا والحرص على توفير الراحة الكاملة لهن أثناء إقامتهن..
خرج رياض غالي فرٍحا، مسرورا بهذا التكليف و«طار»، مسرعا في اتجاه ميناء مارسيليا، في انتظار الملكة والأميرتين اللواتي كنّ في انتظاره واندهشن من سرعة وصوله إلى هناك في ذلك الصباح الباكر، قبل أن تسأله الملكة نازلي بالفرنسية قائلة: «هل أنت مصري؟» ليجيب رياض، في انحناء تام: «نعم يا سيدتي، أنا مصري».. اندهشت الملكة نازلي من كلامه وقالت مستغربة: «كنت أظنك من أمريكا الجنوبية!».. فابتسم غالي وسار إلى جوار الملكة قائلا: «لقد جئتِ بالشمس معك إلى فرنسا يا سيدتي!».. ضحكت الملكة وقالت: «ألم تكن لديكم شمس؟» فأجابها: «لقد مضت بضعة أيام دون أن نرى الشمس، وها هي تشرق مع إشراق جلالتك»..
أُعجبت الملكة نازلي بكلام رياض غالي المشوق، رغم أن ذلك الكلام لم يُظهر شخصيته الهزيلة ورغم تأكدها من أن ذلك لم يعْدُ سوى مجاملة لها، باعتبارها ملكة ووالدة الملك فاروق.. لكن الملكة عمدت إلى التأكد من شكوكها حول صحة هذا الكلام، فسألت مندوب إدارة البروتوكول الفرنسي قائله له: «هل ما يقوله هذا الشخص صحيح أم إنه مجاملة؟».. فأجابها المندوب الفرنسي: «لا يا سيدتي، إنه صحيح».. كان رياض، حينها، يمشي إلى جانب الملكة والأميرات، في انتظار أي أمر آخر يأتي من الملكة.. ينتظر تلك الأوامر بلباقة شديدة، قبل أن ينطلق لإحضار حقائبها، بعد طلب الملكة ذلك والإسراع بإدخالها إلى الجناح الملكي في الفندق الذي ستقيم فيه تلك الليلة، قبل التوجه إلى سويسرا..
وبعد أن أدخل رياض الحقائب الملكية البالغة 36 حقيبة، شكرته الملكة وقالت له: “لقد أتعبتك اليوم».. فأجابها: «لا يا سيدتي، هذا شرف عظيم لي، لقد كنت أتمنى لو أنني حملت كل تلك الحقائب على ظهري.. إن اليوم هو أسعد يوم في حياتي، لأنني ركبت السيارة مع حقائب الملكة!»..
كانت الملكة نازلي تنظر إلى رياض -ولم تكن قد عرفتْ اسمه بعدُ- تملؤها الدهشة والحيرة من كلام هذا الشخص البسيط الذي، ربما، لم تسمع مثله من قبل. كانت علامات الفرح والسرور والبهجة ترتسم على محياها.. وحينها سألته قائلة: «ما اسمك؟».. ولدهشتها، سمعته يقول: «خادمك رياض يا سيدتي».. فالتفتت إلى الأميرة فتحية وقالت لها بالفرنسية: «كم هو مؤدب»!
بعد ذلك، تقدم رياض إلى الملكة نازلي واعتذر منها قائلا لها إن الأوامر تقضي بأن أعود إلى عملي في مارسيليا، ففوجئ رياض هنا بالملكة وهي تقول له: «لقد حسمت الأمر.. أنا أصدرت الأوامر بأن تبقى، وعليك مرافقتنا إلى سويسرا في الصباح الباكر من يوم غد»..
أبدى الشاب رياض موافقته على ذلك، رغم تخوفه من عواقب فعلته هذه وعدم الامتثال لأوامر رؤسائه.. لكنه في نفس الوقت كان محاطا بالملكة التي تملك القرارات هي كذلك.. فبدأ حينها يستخدم مواهبه لنيل إعجاب الملكة، فأخذ يتغزل بها وبشبابها ورفع معنوياتها، بعد أن فقدت زوجها الثاني، أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكي آنذاك.. كان رياض غير مبالٍ بقرار عزله من طرف الملك فاروق ودعواته المتكررة له بالعودة إلى مصر، خاصة بعد تأكيد الملكة نازلي لفاروق أنها تريد رياض ضمن حاشيتها وبراتب شهري قدره مائة جنيه، طبقا لرسالتها التي وجّهتْها لابنها الملك فاروق والتي جاء فيها: «إنني أرغب في أن يكون رياض ضمن حاشيتي، فرياض غالي لن يموت من الجوع، فأنا سأدفع له أضعاف مُرتَّبه»...
أجواء المجون والجنس والشعوذة
سرعان ما طارت الملكة نازلي إلى سويسرا ومنها إلى الولايات المتحدة، رفقة الأميرات ورياض غالي، لإجراء عملية جراحية لها، قبل أن تتخذ من لوس أنجلوس منزلا لتقيم فيه، رافضة -نهائيا- العودة إلى مصر، رغم محاولات الملك فاروق الجادة لاسترجاعها وإجبارها على العودة..
في تلك اللحظات، كان رياض يكاد لا يفارق الملكة ولا تكاد عيناه تفارق الأميرة فتحية، التي أضحى يحيك لها خيوط الحب والعشق للإيقاع بها.. فتقدم لخطبتها من الملكة نازلي، بعد تأكده من موافقتها وعدم رفضها الزواج من ابنتها فتحية، رغم اعتراض الملك فاروق على ذلك.. فسيطر رياض على البيت، وخاصة على السيدة الكبيرة نازلي إلى درجة أنها قالت في رسالة بعثت بها إلى الملك فاروق: «لو أردت أن اختار بين أمومتك وبين صداقتي لرياض غالي لاخترت رياض، لأنك أثبتَّ لي في كل مناسبة أنك ولد عاق، أما رياض فقد أثبت لي أنه ولد مخلص!»...
جنتلمان لا دون جوان!..
طار عقل الملك فاروق عندما علم بنية والدته تزويجَ أخته من رياض غالي، ذلك الموظف الصغير في القنصلية المصرية في مرسيليا.. فأرسل إلى أمه رسالة يحذرها من إتمام مشروعها الخاص بتزويج شقيقته ويطلب منها العودة إلى مصر.. لكن تلك النداءات لم تجد آذانا صاغية لدى نازلي، التي عمدت إلى تزويج ابنتها من رياض غالي، دون موافقة فاروق. ففشلت محاولات فاروق لاستعادة شقيقته ووالدته وإجبارهما على العودة مجددا إلى مصر.. وأصبح جلاء نازلي وابنتيها عن أرض الولايات المتحدة أصعب من جلاء القوات البريطانية عن مصر، فتحولت العائلة الملكية إلى كتيبة إعدام شديدة القسوة وبدأت بوادر الحرب من كلا الطرفين (الملك فاروق ونازلي، والعكس)، بعد أن خرجت الملكة نازلي إلى الصحافة تتهم ابنها فاروق والشعب المصري بالرجعية وعدم التحضر والتخلف، مؤكدة في نفس الوقت أنها اختارت لابنتها «جنتلمان» وليس «دون جوان» غير عابئة برسالة ابنها التي وصلتها حينها والتي يقول فيها: «إنني أخاطبك اليوم بلغة الابن لا بلغة الملك.. إنني رجلك الوحيد الذي شعر بمدى الخطأ الذي ارتكبتِه في حق نفسك وفي حق عرشك ووطنك ودينك (كان رياض غالي مسيحيا) لقد أصبتِني بجرح لن يُضمِّده أحد سواك.. لقد كسرني تصرفك وأشعَرني بالعجز عن رفع عيني في وجه خادم في حاشيتي.. لا شيء أصعب من ضربة أخلاقية توجهها أم لابنها.. إنها ضربة قاضية تُجهز عليه»..
وأمام فشل مساعي الملك فاروق لاسترداد شقيقته ووالدته، دعا إلى عقد مجلس البلاط الملكي في 12 ماي 1951، ليطلب من أعضاء المجلس الحجز على الملكة نازلي وشقيقته فتحية وتجريدهما من مخصصاتهما وألقابهما الأميرية..
رصاصات الزوج القاتلة..
صُدمت نازلي وفتحية بقرار حرمانهما من مخصصاتهما وألقابهما الأميرية، فاضحتا تبيعان ما بحوزتهما من مجوهرات لتنفقا على نفسيهما وعلى الزوج العاطل رياض، الذي لم يتعود على العمل، فلم تجد فتحية مفرا من البحث عن مهنة تطعمها هي وأمها نازلي وتجلب الهيروين لزوجها رياض.. فتنازلت درجة وعملت موظفة استقبال في فندق خمسة نجوم، ثم تنازلت درجتين وعملت موظفة إدارية في فندق ثلاثة نجوم.. ثم تنازلت خمس درجات وعملت في أحد البارات الصغيرة، ثم تنازلت كثيرا وعملت كخادمة في مطعم تغسل وتكنس وتنظف الصحون!..
على الجانب الآخر، كانت هناك لا مبالاة من رياض، الذي أضحى لا يهمه شيء سوى جرعة الهيروين اليومية التي يفعل أي شيء من أجل الحصول عليها.. فأخذ يسرق ما تدّخره فتحية من دولارات قليلة ليشتري بها المخدرات ويلعب بما تبقى القمار.. وأضحى الضرب والتوبيخ بمثابة درس يومي لفتحية وأمها من جانب رياض.. فأضحى يضربها ويعاملها بقسوة، حتى يحصل منها على ما يريد، أمام مرأى الأم نازلي، التي كانت طريقتَه الوحيدة للزواج من ابنتها فتحية..
وفي إحدى الخلافات والمشاجرات اليومية، انتهى المشهد بسفك دماء وإزهاق أرواح!.. ففي لحظة من اللحظات، لم تر نازلي سوى طلقات تخرج من مسدس يحمله رياض في اتجاه ابنتها فتحية وتخترق جسدها وتُرديها قتيلة، قبل أن تخترق الرصاصات المتبقية رأس رياض الذي قتل نفسَه، بعد رفضها تمكينَه من الأموال اللازمة لشراء جرعة الهيروين اليومية!.. لتسقط فتحية في العاشر من دجنبر الثاني 1976 وتُزهَق روح امرأة أحبّتْ فاستولى «حبيبُها» على كل شيء ولم تستولِ هي عليه..
رحلة العلاج
في أواخر يونيو من العام 1946، قررت الملكة نازلي السفر إلى أوربا، بحجة العلاج والراحة النفسية، مصطحبة معها ابنتيها الأميرة فايقة والأميرة فتحية على ظهر باخرة ملكية أبحرت في اتجاه موانئ مارسيليا، المحطة الأولى لها.. كانت شواطئ مارسيليا أجملَ موانيء فرنسا وكانت الأميرة فتحية تغرق في الضحك، يملؤها الفرح والسرور لتلك الرحلة ورؤية ما لم تره من قبل.. فسرعان ما وصل الخبر إلى قنصلية مصر في مارسيليا، التي قررت انتداب أمين المحفوظات (الموظف البسيط في القنصلية) رياض غالي ليساعد الملكة والأميرات على تسهيل سفرهن إلى سويسرا وإقامتهن تلك الليلة في أحد فنادق مارسيليا والحرص على توفير الراحة الكاملة لهن أثناء إقامتهن..
خرج رياض غالي فرٍحا، مسرورا بهذا التكليف و«طار»، مسرعا في اتجاه ميناء مارسيليا، في انتظار الملكة والأميرتين اللواتي كنّ في انتظاره واندهشن من سرعة وصوله إلى هناك في ذلك الصباح الباكر، قبل أن تسأله الملكة نازلي بالفرنسية قائلة: «هل أنت مصري؟» ليجيب رياض، في انحناء تام: «نعم يا سيدتي، أنا مصري».. اندهشت الملكة نازلي من كلامه وقالت مستغربة: «كنت أظنك من أمريكا الجنوبية!».. فابتسم غالي وسار إلى جوار الملكة قائلا: «لقد جئتِ بالشمس معك إلى فرنسا يا سيدتي!».. ضحكت الملكة وقالت: «ألم تكن لديكم شمس؟» فأجابها: «لقد مضت بضعة أيام دون أن نرى الشمس، وها هي تشرق مع إشراق جلالتك»..
أُعجبت الملكة نازلي بكلام رياض غالي المشوق، رغم أن ذلك الكلام لم يُظهر شخصيته الهزيلة ورغم تأكدها من أن ذلك لم يعْدُ سوى مجاملة لها، باعتبارها ملكة ووالدة الملك فاروق.. لكن الملكة عمدت إلى التأكد من شكوكها حول صحة هذا الكلام، فسألت مندوب إدارة البروتوكول الفرنسي قائله له: «هل ما يقوله هذا الشخص صحيح أم إنه مجاملة؟».. فأجابها المندوب الفرنسي: «لا يا سيدتي، إنه صحيح».. كان رياض، حينها، يمشي إلى جانب الملكة والأميرات، في انتظار أي أمر آخر يأتي من الملكة.. ينتظر تلك الأوامر بلباقة شديدة، قبل أن ينطلق لإحضار حقائبها، بعد طلب الملكة ذلك والإسراع بإدخالها إلى الجناح الملكي في الفندق الذي ستقيم فيه تلك الليلة، قبل التوجه إلى سويسرا..
وبعد أن أدخل رياض الحقائب الملكية البالغة 36 حقيبة، شكرته الملكة وقالت له: “لقد أتعبتك اليوم».. فأجابها: «لا يا سيدتي، هذا شرف عظيم لي، لقد كنت أتمنى لو أنني حملت كل تلك الحقائب على ظهري.. إن اليوم هو أسعد يوم في حياتي، لأنني ركبت السيارة مع حقائب الملكة!»..
كانت الملكة نازلي تنظر إلى رياض -ولم تكن قد عرفتْ اسمه بعدُ- تملؤها الدهشة والحيرة من كلام هذا الشخص البسيط الذي، ربما، لم تسمع مثله من قبل. كانت علامات الفرح والسرور والبهجة ترتسم على محياها.. وحينها سألته قائلة: «ما اسمك؟».. ولدهشتها، سمعته يقول: «خادمك رياض يا سيدتي».. فالتفتت إلى الأميرة فتحية وقالت لها بالفرنسية: «كم هو مؤدب»!
بعد ذلك، تقدم رياض إلى الملكة نازلي واعتذر منها قائلا لها إن الأوامر تقضي بأن أعود إلى عملي في مارسيليا، ففوجئ رياض هنا بالملكة وهي تقول له: «لقد حسمت الأمر.. أنا أصدرت الأوامر بأن تبقى، وعليك مرافقتنا إلى سويسرا في الصباح الباكر من يوم غد»..
أبدى الشاب رياض موافقته على ذلك، رغم تخوفه من عواقب فعلته هذه وعدم الامتثال لأوامر رؤسائه.. لكنه في نفس الوقت كان محاطا بالملكة التي تملك القرارات هي كذلك.. فبدأ حينها يستخدم مواهبه لنيل إعجاب الملكة، فأخذ يتغزل بها وبشبابها ورفع معنوياتها، بعد أن فقدت زوجها الثاني، أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكي آنذاك.. كان رياض غير مبالٍ بقرار عزله من طرف الملك فاروق ودعواته المتكررة له بالعودة إلى مصر، خاصة بعد تأكيد الملكة نازلي لفاروق أنها تريد رياض ضمن حاشيتها وبراتب شهري قدره مائة جنيه، طبقا لرسالتها التي وجّهتْها لابنها الملك فاروق والتي جاء فيها: «إنني أرغب في أن يكون رياض ضمن حاشيتي، فرياض غالي لن يموت من الجوع، فأنا سأدفع له أضعاف مُرتَّبه»...
أجواء المجون والجنس والشعوذة
سرعان ما طارت الملكة نازلي إلى سويسرا ومنها إلى الولايات المتحدة، رفقة الأميرات ورياض غالي، لإجراء عملية جراحية لها، قبل أن تتخذ من لوس أنجلوس منزلا لتقيم فيه، رافضة -نهائيا- العودة إلى مصر، رغم محاولات الملك فاروق الجادة لاسترجاعها وإجبارها على العودة..
في تلك اللحظات، كان رياض يكاد لا يفارق الملكة ولا تكاد عيناه تفارق الأميرة فتحية، التي أضحى يحيك لها خيوط الحب والعشق للإيقاع بها.. فتقدم لخطبتها من الملكة نازلي، بعد تأكده من موافقتها وعدم رفضها الزواج من ابنتها فتحية، رغم اعتراض الملك فاروق على ذلك.. فسيطر رياض على البيت، وخاصة على السيدة الكبيرة نازلي إلى درجة أنها قالت في رسالة بعثت بها إلى الملك فاروق: «لو أردت أن اختار بين أمومتك وبين صداقتي لرياض غالي لاخترت رياض، لأنك أثبتَّ لي في كل مناسبة أنك ولد عاق، أما رياض فقد أثبت لي أنه ولد مخلص!»...
جنتلمان لا دون جوان!..
طار عقل الملك فاروق عندما علم بنية والدته تزويجَ أخته من رياض غالي، ذلك الموظف الصغير في القنصلية المصرية في مرسيليا.. فأرسل إلى أمه رسالة يحذرها من إتمام مشروعها الخاص بتزويج شقيقته ويطلب منها العودة إلى مصر.. لكن تلك النداءات لم تجد آذانا صاغية لدى نازلي، التي عمدت إلى تزويج ابنتها من رياض غالي، دون موافقة فاروق. ففشلت محاولات فاروق لاستعادة شقيقته ووالدته وإجبارهما على العودة مجددا إلى مصر.. وأصبح جلاء نازلي وابنتيها عن أرض الولايات المتحدة أصعب من جلاء القوات البريطانية عن مصر، فتحولت العائلة الملكية إلى كتيبة إعدام شديدة القسوة وبدأت بوادر الحرب من كلا الطرفين (الملك فاروق ونازلي، والعكس)، بعد أن خرجت الملكة نازلي إلى الصحافة تتهم ابنها فاروق والشعب المصري بالرجعية وعدم التحضر والتخلف، مؤكدة في نفس الوقت أنها اختارت لابنتها «جنتلمان» وليس «دون جوان» غير عابئة برسالة ابنها التي وصلتها حينها والتي يقول فيها: «إنني أخاطبك اليوم بلغة الابن لا بلغة الملك.. إنني رجلك الوحيد الذي شعر بمدى الخطأ الذي ارتكبتِه في حق نفسك وفي حق عرشك ووطنك ودينك (كان رياض غالي مسيحيا) لقد أصبتِني بجرح لن يُضمِّده أحد سواك.. لقد كسرني تصرفك وأشعَرني بالعجز عن رفع عيني في وجه خادم في حاشيتي.. لا شيء أصعب من ضربة أخلاقية توجهها أم لابنها.. إنها ضربة قاضية تُجهز عليه»..
وأمام فشل مساعي الملك فاروق لاسترداد شقيقته ووالدته، دعا إلى عقد مجلس البلاط الملكي في 12 ماي 1951، ليطلب من أعضاء المجلس الحجز على الملكة نازلي وشقيقته فتحية وتجريدهما من مخصصاتهما وألقابهما الأميرية..
رصاصات الزوج القاتلة..
صُدمت نازلي وفتحية بقرار حرمانهما من مخصصاتهما وألقابهما الأميرية، فاضحتا تبيعان ما بحوزتهما من مجوهرات لتنفقا على نفسيهما وعلى الزوج العاطل رياض، الذي لم يتعود على العمل، فلم تجد فتحية مفرا من البحث عن مهنة تطعمها هي وأمها نازلي وتجلب الهيروين لزوجها رياض.. فتنازلت درجة وعملت موظفة استقبال في فندق خمسة نجوم، ثم تنازلت درجتين وعملت موظفة إدارية في فندق ثلاثة نجوم.. ثم تنازلت خمس درجات وعملت في أحد البارات الصغيرة، ثم تنازلت كثيرا وعملت كخادمة في مطعم تغسل وتكنس وتنظف الصحون!..
على الجانب الآخر، كانت هناك لا مبالاة من رياض، الذي أضحى لا يهمه شيء سوى جرعة الهيروين اليومية التي يفعل أي شيء من أجل الحصول عليها.. فأخذ يسرق ما تدّخره فتحية من دولارات قليلة ليشتري بها المخدرات ويلعب بما تبقى القمار.. وأضحى الضرب والتوبيخ بمثابة درس يومي لفتحية وأمها من جانب رياض.. فأضحى يضربها ويعاملها بقسوة، حتى يحصل منها على ما يريد، أمام مرأى الأم نازلي، التي كانت طريقتَه الوحيدة للزواج من ابنتها فتحية..
وفي إحدى الخلافات والمشاجرات اليومية، انتهى المشهد بسفك دماء وإزهاق أرواح!.. ففي لحظة من اللحظات، لم تر نازلي سوى طلقات تخرج من مسدس يحمله رياض في اتجاه ابنتها فتحية وتخترق جسدها وتُرديها قتيلة، قبل أن تخترق الرصاصات المتبقية رأس رياض الذي قتل نفسَه، بعد رفضها تمكينَه من الأموال اللازمة لشراء جرعة الهيروين اليومية!.. لتسقط فتحية في العاشر من دجنبر الثاني 1976 وتُزهَق روح امرأة أحبّتْ فاستولى «حبيبُها» على كل شيء ولم تستولِ هي عليه..
0 التعليقات:
إرسال تعليق