سنة خامسة سجن» والذى يروى فيه ذكرياته ومذكراته وحكايات سياسية وصحفية واجتماعية كان شاهداً عليها أو مشاركاً فيها، واتخذ الكتاب شكل الرسائل التى يبعث بها مصطفى أمين السجين منذ عام 1965 حتى أفرج عنه الرئيس أنور السادات سنة 1974. فى الفصل الثانى عشر من الكتاب وعنوانه «هل أحب قاسم أمين مطربة! يروى مصطفى أمين قصة عشق وغرام لا حدود لها بين محرر المرأة ومطربة عصرها وفاتنة زمانها «وسيلة»! وإليكم الحكاية والسر واللغز وكما رواه مصطفى أمين!«رشاد» سجن ليمان طرة فبراير سنة 1970 قرأت فى عدد مجلة «الكواكب» رقم 969 الصادر فى 24 فبراير سنة 1970 اسم امرأة! لم يعرف المحررون أنهم يكتبون اسم امرأة خطيرة كانت فى يوم من الأيام ملكة جمال، ومطربة، وجاء اسمها فى مذكرات سير رونالد ستورس السكرتير الشرفى للمعتمد البريطانى فى مصر، وتردد ذكرها فى التقارير السرية التى كان يكتبها قناصل الدول الأجنبية فى مصر إلى حكوماتهم! بل أهم من هذا كله لم يعرفوا أن هذه السيدة الخطيرة كانت السبب المباشر فى انتحار قاسم أمين محرر المرأة! جاء فى صفحة بعنوان «الفن من 50 سنة» يقول سامى شوا - عازف الكمان المشهور - فى مذكراته أن سعيد باشا ذو الفقار كبير الأمناء طلب منه الحضور إلى قصر السلطان حسين «فحملت الكمان، وذهبت إلى السراى، وصعدت إلى جناح السلطان حسين، ووجدت مطربة السراى وسيلة ماثلة فى حضرته، وكانت مشهورة بإجادتها العزف على العود، وغناء الموشحات والأدوار، التى كان يغنيها عبده الحامولى، ولديها محصول كبير من البشارف، تعلمتها على يد أستاذها أحمد الليثى، وطلب السلطان أن تعزف له بشرف ثقيل الرصد، وعزفنا، أنا على الكمان ووسيلة على العود، وكانت تجيد العزف عليه بشكل ساحر، ثم انطلقت تغنى فى صوت رخيم، طرب له السلطان غاية الطرب، حتى إننا كلما انتهينا من أحد الأدوار طلب السلطان دورا آخر، حتى منتصف الليل» وبعد عشرة أيام استدعى السلطان سامى الشوا ليعزف بصحبة وسيلة، وظل السلطان يستدعينى كل بضعة أيام لأعزف له مع غناء وسيلة ما يحب سماعه». انتهى ما نشرته مجلة الكواكب... وبدأت أعود إلى ذكريات طفولتى فى بيت سعد زغلول، كانت تتردد على صفية زغلول سيدة طويلة القامة، ذات عينين واسعتين جميلتين، وذات شعر طويل يمتزج فيه السواد والبياض.. وكان اسمها وسيلة هانم.. وكانت كلما تسمع أن السيدة زينب هانم أرملة قاسم أمين تصعد درجات سلم البيت تضطرب وتختفى ثم تهرب من الباب الخلفى! وكان هذا المنظر العجيب يثير فضولنا ونحن أطفال.. وكان بعض سيدات الأسرة يمزحن مع وسيلة هانم هذه ويقلن لها «حرم قاسم أمين بك قادمة» فتقفز من مقعدها وتجرى عدوا لتختفى فى بدروم البيت.. ثم تعرف بعد ذلك أن الفتيات كن يمزحن معها، فتعود إلى مقعدها فى الصالون! وقيل لنا ونحن أطفال أن بينها وبين أرملة قاسم أمين خلافا شديدا، ولم نعرف وقتها، أو على الأصح لم يقل لنا أحد سبب هذا الخلاف الشديد! إن كل المؤرخين الذين كتبوا عن وفاة قاسم أمين قالوا أنه فى ليلة 23 أبريل سنة 1908 ألقى قاسم أمين خطابا فى نادى المعلمين وعاد إلى بيته، ثم شعر بألم وإرهاق، ثم أصيب بنوبة قلبية وتوفى على الأثر.. وكان المرحوم أحمد طلعت باشا وزير الحقانية ورئيس محكمة الاستئناف يروى لأصدقائه ولنا أنه كان أول من ذهب إلى بيت قاسم أمين عقب وفاته، ومعه يحيى إبراهيم باشا رئيس الوزراء السابق ورئيس مجلس الشيوخ السابق، وكانا مستشارين مع قاسم أمين فى محكمة الاستئناف، وأنهما وجدا فى جيبه حافظة نقوده وفتحا المحفظة فوجدا فيها صورة لسيدة ليست زوجته. وقال طلعت باشا «كلنا نعرف أن قاسم يحب هذه السيدة، وخشينا أن تقع الصورة فى يد زوجته زينب هانم، فيزداد مصابها هولا، واتفقت أنا ويحيى إبراهيم على أن نمزق الصورة إربا، وفعلاً مزقناها برغم أننا نعرف أنه كان حبا عذريا طاهرًا! ورفض طلعت باشا أن يذكر اسم السيدة المجهولة، وقال أن اسمها سر سيذهب معى إلى القبر، وعندما طلبنا منه أن نروى القصة على لسانه رفض، وقال أنه من الممكن كتابة القصة بدون الإشارة إلى اسمه، ولم يكن فى استطاعة أحد أن ينشر مثل هذه الرواية الغريبة، ومات طلعت باشا ولم يترك مذكرات عن هذا الحادث العجيب، وما كان لمؤرخ أن يعتمد على مثل هذه الرواية الخطيرة، فإن أحمد طلعت باشا مات، ويحيى إبراهيم باشا مات، ولكن هناك أشياء لا تموت وهى المستندات التاريخية، فقد ظهرت فى مذكرات الزعيم سعد زغلول خمس صفحات بخط يده تكشف الستار عن سر وفاة محرر المرأة. وقبل إزاحة الستار عن هذا السر يحسن أن نشرح العلاقة التى كانت بين قاسم أمين وسعد زغلول. المرأة الجديدة كان قاسم أمين لا يفترق عن سعد زغلول، وكان قاسم أمين هو الذى توسط فى زواج سعد زغلول بصفية زغلول، وكان سعد زغلول هو الذى وقف إلى جوار قاسم أمين عندما أصدر كتاب «تحرير المرأة»، وهوجم بعنف وضراوة، واتهم بالكفر والدعارة، ومنع من دخول قصر الخديو بدعوى أنه يدعو للإباحية، وأقفل الناس بيوتهم فى وجهه، وذهب عدد من الشبان المتحمسين إلى بيته فى شارع الهرم، واقتحموا البيت، وطالبوا قاسم أن يسمح لهم بأن يجتمعوا بزوجته على انفراد تطبيقًا لدعوته إلى سفور المرأة! عندما أقفل كبار المصريين بيوتهم فى وجه قاسم أمين فتح سعد له بيته، ودعاه هو وزوجته ليتناول الغداء والعشاء على مائدته ومائدة صفية زغلول، وأصر أن يخرج فى عربة مع قاسم أمين ويطوف شوارع العاصمة متحديا الأصدقاء الذين نصحوه بألا يظهر مع قاسم أمين فى مكان عام، وإلا ضربه الناس بالطوب! وعندما وضع قاسم أمين كتابه الثانى «المرأة الجديدة» متحديا العاصفة الهوجاء، ومطالبا بأن تحضر المرأة مجالس الرجال وتمارس الأعمال الحرة، أهدى كتابه الجديد إلى سعد زغلول صديقه الحميم ونصيره الأول.. ثم حدث خلاف بين الصديقين بسبب غريب. فقد كان قاسم أمين شأن كل الرجال الكبار فى ذلك العصر يحاول أن ينسى همومه فى لعب الورق .. وخسر مبالغ طائلة، أودت بثروته، وحاول سعد زغلول أن يثنيه عن لعب الورق، ومع أن سعد كان يلعب الورق أيضا، فإنه راح ينصح صديقه أن يكف عن اللعب فلم يستطع . وأراد قاسم أمين أن يضمنه سعد زغلول فى دين، وتصور قاسم أن سعد متردد فى تقديم الضمان، وتأثر قاسم أمين ، فحدثت قطيعة بين الصديقين .. وتعرض سعد زغلول بعد ذلك لأزمة سياسية، فلم يقف قاسم أمين بجوار سعد كعادته دائما. واستمرت القطيعة بضعة شهور.. ثم فجأة دق جرس التليفون. نترك سعد زغلول يروى فى مذكراته ما حدث فى فصل بعنوان «موت صديقى قاسم»: إذا بالتليفون يدق، فدق قلبى لدقه، وسمعت أحمد (خادم سعد) فى التليفون يردد بصوت منزعج: قاسم أمين! ففهمت أنه نزل به مصاب، فانخلع قلبى، وقمت منزعجا نحو التليفون. وسألت، فقيل لى قاسم بك مات. فاعترانى هلع شديد. وقلت : انتحر الرجل. ثم طلبت عربة. وركبت مع عبدالخالق ثروت (باشا) ومحمد صدقى (باشا) إلى بيته، فوجدت العويل، والصراخ، والبكاء. وهناك رأينا أحمد طلعت ويحيى إبراهيم والدكتور عباس. وفهمنا من مجموع أقوالهم أنه عاد إلى منزله فى الساعة الثامنة، وأبى أن يأكل مع الآكلين وتألم من شىء فى أعلى صدره، فدعكته زوجته بماء الكولونيا. وطلب (قاسم أمين) نارا لإشعال سيجارة. ثم فارق الحياة. وقد تحدث من كانوا فى المكان بالانتحار. وسألت الدكتور عباس عن حقيقة الأمرفقال أنه موت طبيعى ولكن كان فى جوابه شىء من التردد، وكررت أقوالى عليه فى الغد، فأجاب بعد سكوت بأن الموت طبيعى، إنما كان عاشقا. فقلت له : أعرف شيئا من ذلك. قال : لا تقل! ولكن لم أفهم كون الحب يفضى إلى هذه الحالة. ثم قال بعض الحاضرين أنه أمن على حياته نظير مبلغ. فأردت التحقق من الخبر. فقام طلعت وأحضر جعبة أوراقه، ووجدت فيها ورقة من شركة تفيد أنه أمن على نفسه نظير مبلغ يدفعه سنويا، مقداره نحو 500 جنيه، وفى حالة الوفاة تلتزم الشركة بأن تدفع لورثته مبلغ عشرة آلاف جنيه. فقلت : الأحسن أن تخفوا ذلك، لأنه إن ظهر ربما حصلت صعوبات من طرف الدائنين أو بعضهم. ومكثت إلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وكان حضر حسين رشدى باشا، وفتحى زغلول باشا ومحمد راسم ومحمد سعيد باشا. وذهبت إلى البيت مع فتح الله بك بركات، وكنت أشعر بألم شديد على نفسى، وكثر ما تردد على خاطرى ماطرأ على الصحبة بيننا من أسباب الضعف. وبت طول ليلى بين التأثر عليه تارة عندما أذكر صداقته ، والتأثر فيه تارة عندما أذكر هجره لى.. هذا الهجر الذى كثر فى الأيام الأخيرة، وانصرافه عن مساعدتى، وقت اشتداد حاجتى إليه، خفف كثيرا من تأثرى عليه. وهذا لطف من الله بى، لأنه لو حل به الموت، والصداقة فى قوتها، لفاضت روحى معه.ومع ذلك فقد كنت أول من توجه فى الصباح إلى منزله باكرا، ولم أذق فى ليلتى طعم النوم، ومكثت هناك أباشر مايلزم من مسائل تشييع الجنازة، ودفعت شيكا بمبلغ سبعين جنيها للصدقات. ثم فى الساعة 9 توجهت إلى المحطة لتشييع محمد على البرنس. وعدت فجلست فى المكان الذى تقام الخيمة فيه حتى الظهر، وتوجهت إلى البيت حيث أكلت، ثم عدت فى الساعة 2، وكنت أستقبل الناس. وقد حضر المستشارون (الإنجليز) إلا المستشار المالى. والنظار إلا مصطفى فهمى وفخرى وبطرس غالى، وكثير من حملة الأقلام والقضاء وأعضاء النيابة والعلماء والذوات والبرنسان أحمد فؤاد ( الملك فؤاد فيما بعد) وحيدر فاضل. ثم كتب سعد «واتجه الرأى إلى كتابة كلمة تلقى على قبره باسم أصدقائه فاستغنيت بتلك الفكرة عن قول كلمتى. وافتكرت فى إبراهيم الهلبارى وساعدنا فى إنشائها حسين رشدى. وكلفت فتحى زغلول بإلقائها. اسم المرأة فى مذكرات سعد إن سعد زغلول كتب فى مذكراته اسم المرأة التى انتحر من أجلها قاسم أمين محرر المرأة، قال بصراحة أنها المطربة وسيلة. وتردد أن المطربة وسيلة كانت امرأة فاتنة الجمال رخيمة الصوت يلعب صوتها بأوتار القلوب، وتلعب أصابعها بأوتار العود، ترفض أن تغنى فى الحفلات العامة ولا تغنى إلا فى قصور الأمراء والأميرات. وكانت المطربة وسيلة تتردد على قصر الأميرة نازلى ابنة الأمير مصطفى فاضل باشا نجل إبراهيم باشا بن محمد على باشا الكبير. وكان والدها مصطفى فاضل يعتبر نفسه أحق بعرش مصر من الخديو إسماعيل، ولهذا كانت الأميرة نازلى تعلن الحرب على الخديوى عباس بن توفيق بن إسماعيل ، وتحتضن كل من يحارب الخديوى أو يقاوم نفوذ القصر. وكان سعد زغلول فى تلك الأيام يكسب من المحاماة أكثر من أى محام فى مصر، بل أكثر من راتب رئيس الوزراء ومعه وزيران فى الوزارة، إذ كان يكسب فى العام ستة آلاف جنيه ذهبا! وكانت المطربة وسيلة تغنى للحب والهوى والغرام، وكانت الأميرة نازلى تنظر إلى سعد زغلول بطرفى عينيها وتهمس قائلة: أمان يا للى أمان! وإذا بأغانى الحب لاتؤثر فى سعد زغلول ويتزوج من صفية زغلول! ولكن أغانى الحب نفسها هزت قلب القاضى الشاب قاسم أمين.. كان قاسم أصغر الشبان الذين يترددون على قصر الأميرة، وكان أجملهم. عيناه واسعتان. شاربه الأسود قصير.. شعره الأسود الناعم. كان أقرب إلى الفنان منه إلى القاضى. وإذا بالمطربة الشابة وسيلة تقع فى هوى القاضى الشاب واشتد الحب العاصف. وإذا بالمطربة الشابة تطلب من قاسم أمين أن يتزوجها.. ولم يكن معقولا أن يتزوج الرجل الذى يدعو إلى تحرير المرأة من زوجتين فى وقت واحد. ووقف أصدقاء قاسم والمعجبون به ضد هذه المطربة واتهموها بأنها تريد أن تقتل رجلا من أعظم رجال مصر. ولم يستطع قاسم أن يتخلى عن زوجته ولا أن يتخلى عن المرأة التى يحبها فانتحر. هذه هى القصة التى كانت تتردد فى تلك الأيام.. ولكن راجيكم فى «أخبار اليوم» أن تحققوها تاريخيا. عليكم أولا أن تحصلوا على اسم هذه المطربة مكتوبا بخط سعد زغلول وتصوروه من المذكرات بالزنكوغراف. والمذكرات موجودة الآن فى متحف وزارة الثقافة.. وعليكم أن تحاولوا الحصول على صورة للمطربة وسيلة فى شبابها، وأن تحاولوا أن تتتبعوا أخبارها.. ماذا فعلت بعد انتحار قاسم أمين ؟هل أحبت ؟هل تزوجت؟ هل ماتت مشردة لاتجد قوت يومها؟وعليكم أن تذهبوا إلى الأستاذ قاسم أمين أكبر أحفاد قاسم أمين، وقد كان متزوجا السيدة روزاليوسف، وأعتقد أنه يعرف تفاصيل مما كان يسمعه من والدته وجدته زينب هانم قاسم عن هذه المطربة التى حطمت حياة رجل من أعظم رجال مصر! هذه مهمة الصحافة عندما لاتجد موضوعــات إخبارية تستطيع أن تكتب فيها! انتهى ماكتبه الكاتب الكبير الأستاذ «مصطفى أمين».
المصدر : صباح الخير
0 التعليقات:
إرسال تعليق