وحدي أنام على ترابك
كفني عيني
بضوء من رحيق الفجر
من سعف النخيل
فلكم ظمئت على ضفافك
رغم أن النيل يجري
في ربوعك ألف ميل
ولكم حملت الناي
في حضن الغروب
ودندنت أوتار قلبي
رغم أن العمر منكسر ذليل
لا تعجبي
إن صار وجه الشمس
خفاشاً بعرض الكون
أو صارت دماء الصبح
أنهاراً تسيل
فزماننا زمن بخيل
لا تسألي القناص عن عيني
ولا قلبي..ولا الوجه النحيل
ولتنظري في الأفق
إن النهر يبكي
والخيول السمر
عاندها الصهيل
لا تسأليني
عن شباب ضاع مني
واسألي القناص
كيف شدوت أغنية الرحيل؟
إني تعلمت الحنان على يديك
وعشت أجمل وردة بيضاء
كالعمر الجميل
الناي أصبح في الضلوع رصاصة
والوردة البيضاء
في عيني قتيل
مدي يديك إليّ..إني خائف
ولترحمي ضعفي
جنوني
وارحمي الجسد الهزيل
***
وجهي ينام على ترابك كفنيه
لا تتركيه لنشوة القناص
حين يطارد العصفور في سفه..وتيه
لا تتركي الابن القتيل
يموت موجوعا بنشوة قاتليه
ولترحمي وجهي
فكم صلى على أعتابك
جناتك الخضراء تلفظه
وينكره ترابك
لا تنكريه فإن هذا الوجه
يحمل لون طينك
حينما كانت خيول المجد
تركض في رحابك
لا تتركي عيني لشمس الصيف تأكلها
فكم حملت بشائر أمنياتك
ولتستري جسدي
فكم نبتت على أعشابه الخضراء
أحلى اغنياتك
لا تتركيني في العراء
أصارع الغربان وحدي
بعدما أكلوا رفاتك
***
إني حلمت ككل أطفال المدينة
في ليالي العيد
وحلمت باللعب الصغيرة..والحذاء
وقطعة الحلوى
وبالثوب الجديد
وحلمت يوماً
أن أكون الفارس المغوار
يغرس في ربوعك
كل أحلام الوليد
زمن سعيد
وطن مجيد
أمل عنيد
لكنني أصبحت في عينيكِ
كالطير الشريد
يساقط الزغب الصغير على التراب
جناحي المكسور
ترصده البنادق من بعيد
لم تسألي العصفور
كيف يموت في فمه الغناء؟
لم تسأليني كيف أهجر ثدي أمي
ثم تغرقني الدماء؟
لم تسأليني
ما الذي جعل العصافير الصغيرة
تكره الأشجار تأوى للعراء؟
الجوع.. والحرمان والأمل اللقيط
صقيع أيامي..وأحزان الشتاء
فأنا غريب فيك
لا أمل لديك..ولا رجاء
الآن صدرك في عيوني
أضيق الأشياء
الآن وجهك في عيوني
أصغر الأشياء
الآن قلبك عن عيوني
أبعد الأشياء
حتى الدعاء نسيته
حتى الدعاء
***
يا أيها القناص
ثمن الرصاصة يشتري خبزاً لنا
وشبابنا قد سال نهراً من دماء بيننا
لم لا يكون سياج أمن حولنا
هذا الوطن؟
لم لا تكون ثماره ملكاً لنا؟
لم لا يكون ترابه حقاً لنا؟
يا أيها القناص..انظر نحونا
سترى بُطوناُ خاوية
وترى قلوباً واهية
وترى جراحاً دامية
فالأرض ضاقت
ليس لي فيها سند
والناس حولي
لا أرى منهم أحد
حتى الجسد
قد ضاق بي هذا الجسد
***
لم تسأليني قبل أن أمضي
لماذا غاب ضوء الشمس عن عيني
وأغرقني ظلامي؟
لم تسألي جسداً هزيلاً مات جوعاً
كيف تأكلني عظامي؟
لم تسأليني
ما الذي جعل الفراشات الجميلة
في جبين الفجر تبدو كالجراد؟
لم تسأليني
ما الذي جعل الصباح
الأبيض المفتون يكسوه السواد؟
لم تسأليني
كيف تنبت في بلاد الطهر
أزمنة الفساد؟
لم تسأليني
كيف كان الماء
يجري فوق عيني
ثم يقتلني العطش؟
لم تسأليني أينا أقسى
وليد ضاق
أم أب بطش؟
لم تسأليني
ما الذي جعل اليمام يصير ثعباناً
ويشرب من دمك؟
لم تسأليني
ما الذي جعل الشعاع
الأخضر المنساب
يقتل أنجمك؟
لم تخبريني
من إلى سوق النخاسة أسلمك؟
ما زلت كالمجنون في حزن أسائل:
هذه الحقول الخضر
كيف تكسرت فيها السنابل؟
هذي العقول الخضر
كيف تفجرت فيها القنابل؟
***
إني أحبك صدقيني
رغم أن الحزن في قلبي
مليك ظالم
فالسجن بيتي
والأسى سلطاني
كم نمت واليأس العنيد يهزني
فإذا صحوت أراه في أجفاني
كم همت في صمت الشوارع
أسأل القطط اللقيطة
عن بقايا الخبز..عن عنواني
كم طفت فوق موائد الطرقات
تلفظني الشوارع مرة
ويعود يلقيني طريق ثان
لم تسأليني مرة
من يا ترى أبكاني؟
لم تسأليني كيف أصبح
حزن هذا الكون من أحزاني
لم تسألي الوطن الجميل وقد نمت
في وجهه الأحقاد كيف رماني؟
حقي عليه رغيف خبز آمن
وكرامة الإنسان للإنسان
عبثت بنا أيدي الزمان..وأظلمت
فينا القلوب .. وليلها أعماني
عمر لقيط .. وارتعاشة عاجز
وأنين بطن..وانكسار أماني
تلك الرؤوس تهيم في أوكارها
ويصيدنا القناص كالفئران
فأنا شهيدك رغم أني عاشق
ودمي حرام .. وأسألي سجاني
قد جئت يا أمي
لا طلب ثوب عرسي
من يديك بفرحتي
أعطيتني..أكفاني
0 التعليقات:
إرسال تعليق