بقلم : سمير الفيل
بحكم الأقدمية المطلقة ، و الثروة التي ورثها خصمه ، و وسامته المفرطة كان في الصدارة بينما هو يبدوا كالتابع . يأتي متأخرا مهما صحا في البكور. يأتي قبله ، و يوقع في آخر الدفتر تاركا مسافة كافية لسرب من الموظفين يأتون بعده.
حين جاء تعيينه في هذه المصلحة ، لم يجد مكتبا يجلس عليه ، فجاء الدياسطي ، و رمقه بنظرة متعالية ، و بصوت أجش كأنه بلع ثعبانا للتو ، أمر الساعي أن يحضر له مقعدا من حجرته ، و بعد أسبوع حركوا مكتبا صغيرا كان ينوء بمستندات متربة ، وضعوه أمام المقعد ، فكانت بداية مشجعة ، ملأته بالغبطة.
دخل ليشكره ، غير أن السيد الدياسطي هز يده موقفا آيات الشكر، آمرا إياه أن يعمل علي ملف شديد الأهمية ، يضبط حساباته كي يسلمه له في نهاية الأسبوع.
كانت فرصة كي يظهر مواهبه في علم الإمساك بالدفاتر. لقد عكف علي الجمع و الطرح و الضرب و القسمة ، و راجع العمليات الحسابية و مسوداتها مرات و مرات ، و أنجز ما طلب منه في بحر ثلاثة أيام بدقة يحسده علها زملاؤه.
دخل بعد أن طرق الباب ، و وضع الملف محنيا رأسه ، فأشار له السيد أن ينصرف ، و سيدعوه لمناقشة ما جاء به من حسابات بعد الانتهاء من المراجعة .
حصل علي أول الحوافز قبل مرور ستة أشهر من التعيين ، رجع لأمه فأمطرها بالقبلات . ها هي الحياة قد ابتسمت له أخيرا ، و قد راح الدياسطي يستعين به في الأمور العويصة ، و زيادة في الاعتناء بالموظف الجديد ، فقد أشركه في مراجعة ميزانيات عدة نوادي و روابط و جمعيات أهلية ، و حصل علي أتعابه علي دائر مليم.
في زحمة تقفيل السنة المالية ، استدعاه للبيت ، سهر معه حني طلوع الصبح ، تذوق طعام "شكرية" زوجته ، و استلذ بمهارتها الفائقة في إعداد كوب السحلب الخصوصي قبل ذهابها لنومها في العاشرة مساءا.
لم يشعر بالتعب و الإرهاق ، و هو يسهر ليال متتالية هناك ؛ فقد كان المقابل المادي عوضا عن كل مشقة.
و قد أظهر مهارة فريدة في تقمص دور التابع الأمين ، مع اجتهاد واضح في شئون الحسابات.
في تلك الليلة التي أغشي علي الدياسطى فيها وسط دوامة العمل في البيت ، شارك زوجته في حمله ، و تمديده علي السرير.
لامس باطن يده ظهر يدها لمسة عفوية سرت في جسده كالكهرباء. تظاهر بأن لا شيء قد حدث. إلا أنها سددت له نظرة لم يفهمها أبدا. نظرة تجمع الوله بالعتاب. و قد وسدت رأس الدياسطي و غطته. و في حياء شكرت له مساعدته إياها . تتبعته حني ارتدي الجاكتة السوداء التي كان قد خلعها. ناشدته أن تساعده في إلباسها إياه ، فسمح لها مضطرا ، و للمرة الثانية مس باطن يده ظهر يدها ،و سرت الكهرباء من جديد.
ثلاثة أيام زار فيها الدياسطي في وعكته ، حفظ تفاصيل حجرة النوم ، و عرف لون الستائر، و تمكن من فتح ترابيس النوافذ المغلقة منذ سنوات لتجديد هواء الحجرة العطنة .
اليوم الرابع عاد فيه الدياسطي إلي مكتبه بنفس نظرته المتعالية ، و حشرجة صوته ، وارتجاف أصابعه التي تحرك حبات المسبحة الكهرمان.
عاد إلي مكتبه فاستقبله المرؤوسين بالترحاب، والتهنئة بسلامة العودة ، حدث شيء بسيط لا يعرف أحد أسبابه. حرك الساعي المكتب بملفاته المثقلة بالأوراق والمستندات إلي الزاوية القديمة.
اختفي المقعد ، و جاء الموظف الجديد ، ليقف في الطرقة لأسبوع كامل حني أنه لم يجد من يثنيه في رغبته لتقديم استقالته التي لم تتجاوز خمسة أسطر. مضي التابع محنيا رأسه ، شاعرا بالظلم و قلة البخت. ضرب كفا بكف في دهشة، ومضى يبحث عن عمل جديد .
فقط ، ظلت شحنة كهربية بسيطة تسكن شرايين يده.
بحكم الأقدمية المطلقة ، و الثروة التي ورثها خصمه ، و وسامته المفرطة كان في الصدارة بينما هو يبدوا كالتابع . يأتي متأخرا مهما صحا في البكور. يأتي قبله ، و يوقع في آخر الدفتر تاركا مسافة كافية لسرب من الموظفين يأتون بعده.
حين جاء تعيينه في هذه المصلحة ، لم يجد مكتبا يجلس عليه ، فجاء الدياسطي ، و رمقه بنظرة متعالية ، و بصوت أجش كأنه بلع ثعبانا للتو ، أمر الساعي أن يحضر له مقعدا من حجرته ، و بعد أسبوع حركوا مكتبا صغيرا كان ينوء بمستندات متربة ، وضعوه أمام المقعد ، فكانت بداية مشجعة ، ملأته بالغبطة.
دخل ليشكره ، غير أن السيد الدياسطي هز يده موقفا آيات الشكر، آمرا إياه أن يعمل علي ملف شديد الأهمية ، يضبط حساباته كي يسلمه له في نهاية الأسبوع.
كانت فرصة كي يظهر مواهبه في علم الإمساك بالدفاتر. لقد عكف علي الجمع و الطرح و الضرب و القسمة ، و راجع العمليات الحسابية و مسوداتها مرات و مرات ، و أنجز ما طلب منه في بحر ثلاثة أيام بدقة يحسده علها زملاؤه.
دخل بعد أن طرق الباب ، و وضع الملف محنيا رأسه ، فأشار له السيد أن ينصرف ، و سيدعوه لمناقشة ما جاء به من حسابات بعد الانتهاء من المراجعة .
حصل علي أول الحوافز قبل مرور ستة أشهر من التعيين ، رجع لأمه فأمطرها بالقبلات . ها هي الحياة قد ابتسمت له أخيرا ، و قد راح الدياسطي يستعين به في الأمور العويصة ، و زيادة في الاعتناء بالموظف الجديد ، فقد أشركه في مراجعة ميزانيات عدة نوادي و روابط و جمعيات أهلية ، و حصل علي أتعابه علي دائر مليم.
في زحمة تقفيل السنة المالية ، استدعاه للبيت ، سهر معه حني طلوع الصبح ، تذوق طعام "شكرية" زوجته ، و استلذ بمهارتها الفائقة في إعداد كوب السحلب الخصوصي قبل ذهابها لنومها في العاشرة مساءا.
لم يشعر بالتعب و الإرهاق ، و هو يسهر ليال متتالية هناك ؛ فقد كان المقابل المادي عوضا عن كل مشقة.
و قد أظهر مهارة فريدة في تقمص دور التابع الأمين ، مع اجتهاد واضح في شئون الحسابات.
في تلك الليلة التي أغشي علي الدياسطى فيها وسط دوامة العمل في البيت ، شارك زوجته في حمله ، و تمديده علي السرير.
لامس باطن يده ظهر يدها لمسة عفوية سرت في جسده كالكهرباء. تظاهر بأن لا شيء قد حدث. إلا أنها سددت له نظرة لم يفهمها أبدا. نظرة تجمع الوله بالعتاب. و قد وسدت رأس الدياسطي و غطته. و في حياء شكرت له مساعدته إياها . تتبعته حني ارتدي الجاكتة السوداء التي كان قد خلعها. ناشدته أن تساعده في إلباسها إياه ، فسمح لها مضطرا ، و للمرة الثانية مس باطن يده ظهر يدها ،و سرت الكهرباء من جديد.
ثلاثة أيام زار فيها الدياسطي في وعكته ، حفظ تفاصيل حجرة النوم ، و عرف لون الستائر، و تمكن من فتح ترابيس النوافذ المغلقة منذ سنوات لتجديد هواء الحجرة العطنة .
اليوم الرابع عاد فيه الدياسطي إلي مكتبه بنفس نظرته المتعالية ، و حشرجة صوته ، وارتجاف أصابعه التي تحرك حبات المسبحة الكهرمان.
عاد إلي مكتبه فاستقبله المرؤوسين بالترحاب، والتهنئة بسلامة العودة ، حدث شيء بسيط لا يعرف أحد أسبابه. حرك الساعي المكتب بملفاته المثقلة بالأوراق والمستندات إلي الزاوية القديمة.
اختفي المقعد ، و جاء الموظف الجديد ، ليقف في الطرقة لأسبوع كامل حني أنه لم يجد من يثنيه في رغبته لتقديم استقالته التي لم تتجاوز خمسة أسطر. مضي التابع محنيا رأسه ، شاعرا بالظلم و قلة البخت. ضرب كفا بكف في دهشة، ومضى يبحث عن عمل جديد .
فقط ، ظلت شحنة كهربية بسيطة تسكن شرايين يده.
0 التعليقات:
إرسال تعليق