*******
قد تختلف الأعياد وتتعدد المناسبات ، تتشابه عادتها ربما أو تختلف بالكلية طقوسها أيضا والأحداث التي فجرت بقاءها مقدسة في ذاكرة الوجدان حتى باتت لنا ملاذا يحمي من صقيع الانهماك- إذ تقطع بمرحها لهيب المسافات الوهمية بين الأنا وكل آخر - نترقب بشغف دلال فيضها ، ونظنها إلينا تخطو بينما تظل على عرشها متوجة باعتلاء تفاصيل الزمن كاشفة عن راحتي الإغداق بحلو التقارب وحميمية المبادرات البرتقالية - تأتينا الأعياد أو بالأصح نسير صوب وجهتها - نقصدها واحة من اللعب ومفاجآت اللقاء المذهل بعد غياب حيث يبدد العناق الأخضر جدب المسافة ونكتشف حينها قدر ما عـُتق من حنين في صدورنا ما فلحت في إخفائه لمعات براقة ما بين ناظرينا والعناد ، أحبها تلك المناسبات أتوددها كل الأعياد حتى الوطنية منها، يكفى ما تهبه من راحات كسولة ولذيذة لا نملها – ما أن يقترب من يومي عيد حتى تنطلق من صندوق الذاكرة تلك الروائح الطازجة - أستعيدها كأنها للمرة الأولى ، رائحة الثوب الجديد وورداته الحمراء التي لتوها أكملت أمي تطريزها ، الحذاء الجديد، يحمل برفق نعومة الجورب الأبيض ، شرائط الشعر الملونة،ما ألذها رائحة النقود الورقية الجديدة وحرفها الحاد في استقامته ، كنت أدس وجهي في كل تلك الروائح الشهية كي تشربها رئتي دفعة واحدة وبنهم عنيد ، احبسها في صدري وقتا ثم أطلقها ببطء عارية بعدما اختزن في زوايا روحي كل عطرها الذي يشبه رائحة المطر المبلل بالضوء الثلجي ، أدركت فيما بعد كم أنا مولعة بالروائح الجديدة ، رائحة الطريق الجديد ، الحرف الجديد، الخبر، الورق ،الكذب، الصديق ،الدهان ، الملاءات ، المغامرة، الخطأ،الطعم، الانتحار، الصوت ،الغضب ،العناق ، الكلام ،الفكرة ،النظرية ،الموسيقا ، الإيماءة، الصراخ الجديد الرؤيا الجديدة كلها تحمل رائحة ما قبل الملامسة ، هي رائحة الاختلاف عن كل سابقه ،لذا أدركت لماذا بت أتردد كثيرا في استعمال أو التعامل مع الجديد خاصة في مرته الأولى ، ولماذا كل هذا الحزن بعدما لا أجد مناصا من التعامل معه -إذ افقد تباعا خصوصية الامتياز المثير ، رائحة الاختلاف ،وكأن على متن الضرورة أشيع الرائحة الشهيدة إلى مثوى فوضى الروائح واختلاط كرامة الجديد المختلف بكل نمطي قديم–هي التي بها انتشى وأكون أنا - يمضى الوقت بنا دونما انتباه ،نتجاوز المكوث أمام جلاء المناسبات والأعياد بلا حذر ، تتماهى جاذبية الرائحة ، كالدخان تذوب بين كتل الزحام والانتهاك المتبادل – تفقد نشوتها شيئا فشيئا - وأعود أنتظر العيد تلو العيد بل واخترع لي الكثير منه ، أترقب هدايا ومفاجآت جديدة لها رائحة الانتشاء وخصوبة الجديد المختلف ...!